الأنظمة الوضعيّة السائدة التي تلجم الأفواه وتسكت الأقلام وتفرض نوعا من الحدود والسدود ؛ يفسح للجميع المجال للتعبير عن آرائهم وآلامهم وآمالهم ما دامت في مصلحة الاُمّة ، وضمن إطار القوانين والأخلاق الإسلاميّة ، لأنّ في ذلك تقدّم البلاد وازدهار الحياة ، ولأجل هذا قال الإمام الصادق عليهالسلام : « خيرُ إخواني من أهدى إليّ عُيوُبي » (١).
وقال الإمام عليّ عليهالسلام : « من استقبل وُجُوه الآراء عرف مواقع الخطأ » (٢).
ولأجل هذا يمنع الإسلام من كلّ ألوان التعتيم الإعلاميّ ، واتّخاذ القرارات وراء الكواليس ، وإخفاء الحقائق عن الشعب ، وفرض الرقابة على الأفكار والآراء وإلهاء الناس بالملاهي الجنسيّة بهدف صرفهم عن القضايا المصيريّة ، أو بثّ الخرافات بينهم أو سدّ باب الاعتراض أو السؤال والاستفسار.
فنحن نرى كيف كان النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يسمح بالاعتراض والاستفسار ويقابل ذلك بالإجابة المقنعة وبيان الحقيقة دون غضب أو استياء.
فعن عبد الرحمن بن عوف أنّه قال ـ لمّا وجد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يبكي في موت ولده إبراهيم ، قلت : أو لم تكن نهيت عن البكاء ؟ فقال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : « لا ولكن نهيتُ عن صوتين أحمقين وآخرين : صوت عند مُصيبة ورنّةُ شيطان وصوت عند نغمة لهو ، وهذه رحمة ومن لا يرحمُ لا يُرحم » (٣).
وقد مرّ عليك كيف أنّ الإمام عليّ عليهالسلام كان يكتب في عهوده إلى ولاته بأن لا يحتجبوا عن الناس وأن يستمعوا إلى آرائهم وشكاواهم ، ويأخذوا بما يجدونه خيراً لهم وللاُمّة تجنّباً من ظهور النقمة الشعبيّة ... فالطغيان.
* * *
__________________
(١) تحف العقول : ٣٦٦.
(٢) صوت العدالة الإنسانيّة ٢ : ٤٥٨.
(٣) السيرة الحلبيّة ٣ : ٣٤٨.