ويذكر اليعقوبي في كتابه «البلدان» «فثقل ذلك على المعتصم وعزم الخروج من بغداد فخرج إلى الشماسية وهو الموضع الذي كان المأمون يخرج إليه فيقيم به الأيام والشهور ، فعزم أن يبني بالشماسية خارج بغداد مدينة ، فضاقت عليه أرض ذلك الموضع وكره أيضا قربها من بغداد فمضى إلى البردان بمشورة الفضل بن مروان وهو يومئذ وزيره وذلك في سنة ٢٢١ ، وأقام بالبردان أيضا وأحضر المهندسين ، ثم لم يرض الموضع فصار في موضع يقال له باحمشا من الجانب الشرقي من دجلة ، فقدر هناك مدينة على دجلة وطلب موضعا يحفر فيه نهرا فلم يجد فنفذ إلى القرية المعروفة بالمطيرة فأقام بها مدة ، ثم مدّ إلى القاطول فقال هذا أصلح المواضع فصير النهر المعروف بالقاطول وسط المدينة ويكون البناء على دجلة وعلى القاطول ، فابتدأ بالبناء ، وأقطع القواد والكتّاب والناس ، وبنوا حتى ارتفع البناء واختطت الأسواق على القاطول وعلى دجلة ، وسكن هو في بعض ما بنى له ، وسكن بعض الناس أيضا ثم قال أرض القاطول غير طائلة وإنما هي حصى وأفهار ، والبناء بها صعب جدا ، وليس لأرضها سعة» (١) ، وروى المسعودي أن المعتصم عندما استاء من معاملة أهل بغداد لجنده «فعزم على النقلة منهم وأن ينزل بفضاء من الأرض ، فنزل البردان على أربعة فراسخ من بغداد. فلم يستطب هواءها ولا اتسع له أرضها ، فلم يزل يتنقل ويستقري المواضع والأماكن حتى انتهى إلى الموضع المعروف بالقاطول ، فاستطاب الموضع ، وكان هناك قرية يسكنها قوم من الجرامقة وناس من النبط على النهر المعروف بالقاطول آخذا من دجلة ، فبنى هناك قصرا ، وبنى الناس وانتقلوا من مدينة السلام ، ثم نالت مع المعتصم شدة عظيمة لبرد الموضع وصلابة أرضه ، وتأذّوا بالبناء (٢). تفرد المسعودي بهذه الرواية التي ذكر فيها أنه كان في القاطول قرية الجرامقة والنبط ، مع أن المعروف أن موطن الجرامقة بلاد الشام ، فإذا صحت رواية المسعودي فقد يكون القصد منها قرية سكنها اليعاقبة ممن نقلوا من بلاد الشام في زمن لا تحدده المصادر.
__________________
(١) البلدان ٢٥٦ ، ونقل هذا النص الحميري في الروض المعطار ٣٤٥.
(٢) مروج الذهب ٣ / ٤٦٦.