كان ببغداد من رقيق الناس ، كان ممن اشترى ببغداد جماعة جملة منهم أشناس وكان مملوكا لنعيم بن حازم أبي حازم أبي هارون بن نعيم ، وإيتاخ كان مملوكا لسلام بن الأبرش ووصيف كان زرّادا مملوكا لآل النعمان ، وسيما الدمشقي وكان مملوكا لذي الرئاستين الفضل بن سهل.
وكان أولئك الأتراك العجم إذا ركبوا الدواب ركضوا فيصدمون الناس يمينا وشمالا فيثب عليهم الغوغاء فيقتلون بعضا وتذهب دماؤهم هدرا لا يعدون على من فعل ذلك ؛ فثقل ذلك على المعتصم وعزم على الخروج من بغداد فخرج إلى الشمّاسية وهو الموضع الذي كان المأمون يخرج إليه فيقيم به الأيام والشهور ؛ فعزم أن يبني بالشماسية خارج بغداد مدينة ، فضاقت عليه أرض ذلك الموضع وكره أيضا قربها من بغداد ، فمضى إلى البردان بمشورة الفضل بن مروان ، وهو يومئذ وزير وذلك في سنة إحدى وعشرين ومائتين.
وأقام بالبردان أياما وأحضر المهندسين ، ثم لم يرض الموضع ، فصار إلى موضع يقال له باحمشا من الجانب الشرقي من دجلة ، فقدّر هناك مدينة على دجلة ؛ وطلب موضعا يحفر فيه نهرا فلم يجده فنفذ إلى القرية المعروفة بالمطيرة فأقام بها مدة.
ثم مد إلى القاطول فقال : هذا أصلح المواضع فصير النهر المعروف بالقاطول وسط المدينة ويكون البناء على دجلة وعلى القاطول ؛ فابتدأ البناء وأقطع القواد والكتّاب والناس (٢٥٧) فبنوا حتى ارتفع البناء ، واختطت الأسواق على القاطول وعلى دجلة وسكن هو في بعض ما بني له وسكن الناس أيضا ، ثم قال : أرض القاطول غير طائلة وإنما هي حصى وأفهار ، والبناء بها صعب جدا ، وليس لأرضها سعة.
ثم ركب متصيدا فمر في مسيره حتى صار إلى موضع سرّ من رأى وهي صحراء من أرض الطيرهان لا عمارة بها ولا أنيس فيها إلا دير للنصارى (١) ،
__________________
(١) هنا ينتهي نقل الحميري ٤٥٠.