نص فصل «سامرّاء» في كتاب «البلدان» لليعقوبي (نشر دي غويه) ، مع إشارة
إلى ما نقله الحميري في «الروض المعطار».
قد ذكرنا بغداد وابتداء أمرها والوقت الذي بناها أبو جعفر المنصور فيه ، ووصفنا كيف هندست وقسمت أرباضها وقطائعها وأسواقها ودروبها وسككها ومحالّها في الجانب الغربي من دجلة وهو جانب المدينة والكرخ والجانب الشرقي وهو جانب الرصافة الذي يسمى عسكر المهدي ، وقلنا في ذلك بما علمنا (١).
فلنذكر الآن سرّ من رأى وأنها المدينة الثانية من مدن خلفاء بني هاشم ، وقد سكنها ثمانية خلفاء منهم المعتصم وهو ابتدأها وأنشأها ، والواثق وهو هرون بن المعتصم ، والمتوكل جعفر بن المعتصم ، والمنتصر محمد بن المتوكل والمستعين أحمد بن محمد بن المعتصم ، والمعتز أبو عبد الله بن المتوكل ، والمهتدي محمد بن الواثق ، والمعتمد أحمد بن المتوكل.
قال أحمد بن أبي يعقوب : كانت سرّ من رأى في متقدم الأيام صحراء من أرض الطيرهان لا عمارة بها ، وكان بها دير للنصارى بالموضع الذي صارت فيه دار السلطان المعروفة بدار العامة وصار الدير بيت المال ؛ فلما قدم المعتصم بغداد منصرفه من طرسوس في السنة التي بويع له بالخلافة وهي سنة ثمان عشرة ومائتين نزل دار المأمون ، ثم بنى دارا في الجانب الشرقي من بغداد ؛ وانتقل إليها وأقام بها في سنة ثماني عشرة وتسع عشرة وعشرين وإحدى وعشرين ومائتين.
وكان معه خلق من الأتراك وهم يومئذ عجم ، أعلمني جعفر الخشكي قد كان المعتصم يوجه بي في أيام المأمون إلى سمرقند إلى نوح بن أسد في شراء الأتراك فكنت أقدم عليه في كل سنة منهم بجماعة فاجتمع له في أيام المأمون منهم زهاء ثلثة آلاف غلام ، فلما أفضت إليه الخلافة ألحّ في طلبهم واشترى من
__________________
(١) النص التالي نقله الحميري في «الروض المعطار» ٣٠٠ طبعة إحسان عباس.