وقيل له إن المعتصم كاد أن يبني ههنا مدينة ويعيد حفر نهر قديم ، فاعتزم على ذلك وابتدأ النظر فيه في سنة ٢٤٥ ووجه من حفر ذلك النهر لسقي المدينة فقدّر النفقة على النهر بألف وخمسمائة ألف دينار ، فطاب نفسا بذلك ، ورضي به وابتدأ الحفر وأنفقت الأموال على ذلك النهر (١) ، ولابدّ أن حفر هذا النهر لم يقتصر على تزويد الجعفرية بالماء فحسب ، بل امتد إلى تزويد جامع سامرّاء وشوارعها بالماء أيضا.
ذكر الطبري أن المتوكل أمر في سنة ٢٤٥ ببناء الماحوزة التي سماها الجعفري وأمر بحفر نهر يأخذ خمسة فراسخ فوق الماحوزة ، من موضع يقال له كرمى يكون ثريا لما حولها من فوهة النهر إليها ، وأمر بأخذ جبلتا والخصاصة العليا والسفلى وكرمى ، وحمل أهلها على بيع منازلهم وأرضهم ، فأجبروا على ذلك حتى تكون الأرض والمنازل في تلك القرى كلها له ويخرجهم عنها.
وقدّر للنهر من النفقة خمسمائة ألف دينار ، وصيّر النفقة عليه إلى دليل بن يعقوب النصراني في ذي الحجة سنة ٢٤٥ ، وألقى في حفر النهر اثني عشر رجلا يعملون فيه ، فلم يزل دليل يعمل فيه ويحمل المال بعد المال ويقسم عامته في الكتاب حتى قتل المتوكل ، فبطل النهر ، وأخربت الجعفرية ونقضت ، ولم يتم أمر النهر (٢).
إن عمل دليل إداري محض هو الإشراف على النفقات ، وإنه «قسم عامته في الكتاب» ولم يشر إلى عمل المهندسين في التخطيط والإشراف على العمل ، ولا إلى فشل الشروع ، وإنما يذكر أنه توقف بعد مقتل المتوكل ، إذ إن الطبري ذكر في نصه تفاصيل عن القسم الأعلى من النهر ، وأحكامه في تملك ما عليه من مزارع ، مما يظهر أنه قصد من المشروع إعمار المنطقة وإنماءها ليفيد منها أصحابه ، ولتزويد مدينته بحاجاتها من المنتوجات الزراعية. ولم يذكر منتهى ذلك النهر أو إرواءه المتوكلية ، ثم قال «إلا أن النهر لم يتم أمره ولم يجر الماء
__________________
(١) البلدان ٢٦٧ ، التنبيه والإشراف ٢٦٧.
(٢) الطبري ٣ / ١٤٣٨.