الأمور بمنطق المبادئ والقيم ، لا بمنطق الأهواء والغرائز ، وردات الفعل. فإنه «صلىاللهعليهوآله» قد أوضح : أن هناك قبائل قد انضمت إلى قريش لتحارب معها ، وتركوا ذراريهم خلفهم بلا حام ولا كفيل. وهذا خطأ فادح ، لأن المفروض بالمحارب : أن يحسب حساب عدوه ، ولا يدع ماله ، وعياله يقعان في معرض الاستباحة!! فها هو رسول الله «صلىاللهعليهوآله» يعرض الأمر على من معه ، ويستدرجهم بسؤاله لهم إلى الإعلان بأنهم طوع إرادته ، ورهن إشارته ، ليرى الناس كيف يعفّ ويعفو ولا يقدم على أي عمل يتناقض مع مبادئه ودينه رغم قدرته عليه.
من أجل ذلك نقول :
إن موقف المقداد هو الموقف الصحيح ، فإن الإعلان بالطاعة ـ خصوصا ـ في مثل هذه المواقف أمر مطلوب ؛ حسبما أوضحناه ، كما أنه يدخل الرعب واليأس في قلوب الأعداء ، وتضعف توقعاتهم بزعزعة وحدة الذين جاؤوا لحربهم ..
أما جواب أبي بكر ، فهو يعني : أن في أصحاب النبي «صلىاللهعليهوآله» من يتجرأ عليه ، ويبادر إلى رسم الطريق له ، ويطلب منه أن يكون بأمره ، ورهن إشارته ويجعل نفسه في موقع من يعرف الرأي الصائب ، ويتوهم أنه قد عرف ما لم يعرفه رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ..
وهذا الأمر يطمع العدو في المسلمين ، ويدفعه إلى التفكير في التدخل في سياساتهم ، بإلقاء الآراء المختلفة إليهم ليثير البلبلة في أفكارهم ، ويلقي الشبهات لديهم في صوابية قرارات القيادة ، ومدى إدراكها لما يجب فعله أو يجب تركه. وهذا خلل خطير وكبير تداركه المقداد «رحمهالله» ، ورضي عنه وأرضاه.