ما قاله لمبعوثيها ، قد جاء على نسق واحد ، وله مضمون واحد ، لم يتغير. وقد أشرنا إلى هذا المضمون في فصل سابق ..
ونعود ، فنذكّر القارئ الكريم بما يلي :
١ ـ إنه «صلىاللهعليهوآله» يجدد دعوته لهم إلى الإسلام ، ليظهر لهم : أن ما فعلوه ـ رغم فظاعته وبشاعته ـ لم يوجب استبعاد خيار الدعوة هذا .. وهو بذلك يفهمهم : أن الفرصة لا تزال سانحة أمامهم ، وأن بإمكانهم أن يفكروا في هذا الاتجاه أيضا ..
٢ ـ إن الدعوة لهم إنما كانت إلى الإسلام الذي هو دين الله تعالى ، وليس في هذا أي إذلال لهم ، فإنه لم يدعهم للاستسلام له وإلى طاعته كشخص .. بل دعاهم ليكون هو وإياهم مسلمين لله تعالى ، وفي طاعته سبحانه.
٣ ـ ثم عرض عليهم «صلىاللهعليهوآله» : أن يكفوا عنه ، وأن ينتظروا نتائج ما يجري بينه وبين غيرهم ، وهي دعوة تتلاءم مع ميل نفوسهم إلى السلامة ، والدعة .. مع ما في ذلك من أنهم قد يشعرون بالحاجة إلى توفير فرصة لهم لتجميع القوى واكتساب القدرات.
فالتروي في الأمر مطلوب ، حيث إن الناس إن ظفروا برسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، فسيحصل القرشيون على مطلوبهم ، دون أن يخسروا شيئا ، وإن كانت الأخرى فسيكونون هم في أوج قوتهم ، وفي حالة جمام وراحة ، وسيكون النبي «صلىاللهعليهوآله» والمسلمون في حالة ضعف وإنهاك ، وتصبح الفرصة أمامهم أكبر ، واحتمالات النجاح أوفر وأكثر ..
ثم إنه «صلىاللهعليهوآله» قدم لهم دليلا حسيا على صوابية ما يعرضه عليهم ، حين ذكر لهم : أن الحرب قد نهكتهم ، وأذهبت الأماثل منهم.