قال أبو القاسم القشيري (١) :
ومنهم أبو الحسين بن بنان ، ينتمي إلى أبي سعيد الخرّاز. [وهو](٢) من كبار مشايخ الصوفية.
قال ابن بنان : كل (٣) صوفي كان هم الرزق قائما في قلبه فلزوم العمل أقرب له (٤) ، وعلامة سكون القلب إلى الله تعالى أن يكون بما في يد الله أوثق منه بما في يده.
وفي رواية : أن يكون قويا عند زوال الدنيا وإدبارها عنه ، وفقده إياها ، ويكون بما في يد الله عزوجل أقوى وأوثق منه بما في يده.
وقال : اجتنبوا دناءة الأخلاق كما تجتنبون (٥) الحرام.
وقال : اتفقت مع السجزي في السفر من طرابلس ، فسرنا أياما لم نأكل شيئا ، فرأيت قرعا مطروحا ، فأخذت آكله ، فالتفت إليّ الشيخ ، ولم يقل شيئا ، فرميت به ، وعلمت أنه كره ، ثم فتح علينا خمسة دنانير ، فدخلنا قرية ، فقلت : يشتري لنا شيئا لا محالة ، فمرّ ولم يفعل. ثم قال : لعلك تقول : نمشي جياعا ـ ولم يشتر لنا شيئا ـ هو ذا نوافي اليهودية ـ قرية على الطريق ـ وثمّ رجل صاحب عيال إذا دخلناها يشتغل بنا ، فأدفعه إليه لينفق علينا ، وعلى عياله ، فوصلنا إليها ، ودفع الدنانير إلى الرجل ، ولا نفقة ؛ فلما خرجنا قال لي : إلى أين؟ فقلت : أسير معك ، فقال : لا ، إنك تخونني في قرعة وتصحبني ، لا تفعل. وأبى أن أصحبه.
وقال السلمي (٦) : سمعت أبا عثمان المغربي يقول : سمعت أبا علي بن الكاتب يقول :
كان ابن بنان يتواجد ، وكان أبو سعيد الخراز يصفق له.
قال السلمي :
ثم وجد ابن بنان في آخر عمره مطروحا على تلّ في التيه ، وهو يجود بنفسه ويقول : اربع ، فهذا مربع الأحباب (٧).
__________________
(١) الرسالة القشيرية لأبي القاسم القشيري ص ٣٩٩.
(٢) زيادة عن الرسالة القشيرية.
(٣) في مختصر أبي شامة : «كان». والمثبت عن الرسالة القشيرية.
(٤) في الرسالة القشيرية : إليه.
(٥) في مختصر ابن منظور : تجتنبوا.
(٦) رواه أبو عبد الرحمن السلمي في طبقات الصوفية ٤٠٤.
(٧) جاء في الرسالة القشيرية ص ٣٠٩ : وكان سبب موت أبي الحسين بن بنان أنه ورد على قلبه شيء فهام على وجهه فلحقوه في متاهة بني إسرائيل في الرمل ، ففتح عينيه وقال : ارتع فهذا مرتع الأحباب ، وخرجت روحه.