كثيرة ، وسباع ، وكان أبي يضرب السبع ويقول : لا تؤذ أصحابي. فلما كان ذات يوم قال : ادخل القرية فأتني بعيش (١) ، فتركت ما أمرني واشتغلت ألعب مع الصبيان بجفنة (٢) العشاء ، فغضب عليّ ، فقال : لأحملنك وأبيتنك في الأجمة ، فأخذني تحت إبطه وحملني إلى أجمة بعيدة لا أهتدي للطريق منها ، ورماني هناك ورجع ، فلم أزل أبكي وأصيح ، ثم أخذني النوم ، فانتبهت قريب السحر ، فإذا أنا بالسبع إلى جنبي ، وأبي قائم يصلي ، فلما فرغ قال له : قم فإن رزقك على الساحل. فقام السبع ومضى ، ثم نمت ، فلما أصبحت انتبهت وأبي قد ذهب ، فخرجت من الأجمة ، وعرفت الطريق ، وجئت إلى أبي.
قال أبو الحسن بن زيد :
ما كنا ندخل على أبي الخير وفي قلبنا سؤال إلّا تكلم علينا من ذلك الموضع من غير أن نسأله.
قال حمزة بن عبد الله العلوي :
دخلت على أبي الخير التيناتي ، وكنت اعتقدت في نفسي أن أسلم عليه وأخرج ولا آكل عنده طعاما. فلما خرجت من عنده ومشيت إذا به خلفي ، وقد حمل طبقا عليه طعام ، فقال : يا فتى ، كل هذا فقد خرجت الساعة من اعتقادك.
قال أبو الحسن علي بن محمود الزّوزني الصوفي :
كان أبو الخير التيناتي صاحب مشاهدة ، وكان يسميني : غلام الله ، وكنت أنبسط إليه. فقلت : يا سيدي ، بأيش وصلت إلى هذه الحال؟ فقال : رأيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم في النوم ، فقبّل صدري ، فأنا أرى من خلفي كما أرى من قدامي.
قال : وسمعت العراقي يحكي :
إني كنت ماضيا إلى التينات أزور الشيخ ، فالتقيت بإنسان بغدادي ، فقال لي : إلى أين تمضي؟ فقلت : إلى التينات أزور الشيخ ، فقال : إن نقم بزيارة إليه الساعة ، ندخل عليه ويقدم (٣) لنا الخبز واللبن ، وأنا لا أتمكن من أكله فإني صفراوي. فدخلنا على الشيخ ، فقام
__________________
(١) العبش : الطعام.
(٢) إعجامها مضطرب في مختصر أبي شامة ، ورسمها : بجبنة.
(٣) العبارة في مختصر أبي شامة : «فقال : أنا هم بنية الزيارة الساعة فدخل عليه وتقدم» صوبنا العبارة عن مختصر ابن منظور.