لي : يا إبراهيم ، اخرج وردّ الباب ، فخرجت ، وجلست بالباب طويلا ، وكانت بي حاجة إليه ، فقلت في نفسي : إن كانا في سرّ فقد فرغا. ففتحت الباب ، ودخلت ، وإذا به جالس وحده ، فقلت : حبيبي ، أين الرجل الذي كان معك ، فإنه لم يخرج؟ فقال : يا بني ، هو لا يخرج من الباب ، فقلت : من هو؟ قال : هو الخضر ، فبكيت ، فقال : لم تبكي؟ قلت : لو عرفت لسألته الدعاء. ثم مضت مديدة ، ففتح على الشيخ نقود تركية ، فقال : يا بني ، لو حملت إلى الأذنة فبعته ، وابتعت به حوائج ـ ذكرها ـ. فانحدرت ، فاشتريت الحوائج ، وحملتها في كساء على ظهري ، فلقيت رجلا في الطريق ، فسلم علي ، وقد بقي إلى التينات ستة أميال ، فقال : يا أخي قد تعبت ، فناولني أحمل عنك ، فناولته ، فحملها ، وجعل يحادثني بأخبار الصالحين حتى بلغنا التينات ، فدفعها ، وودعني ، وقال : تقرأ على الشيخ منّي السّلام ، فقلت : حبيبي ، أقول من؟ قال : هو يعرف. فلما دخلت على الشيخ قال لي : يا إبراهيم ، ما استحييت ، حمّلته ستة أميال؟ ما حسدتك ، وحسدتني على كلامه إياي؟ فبكيت ، وقلت : هو هو؟ قال : هو هو ولا حيلة ، تبكي إذا لم تلقه ، وتبكي إذا لقيته!.
قال أبو الحسن جعفر بن هارون السيرواني :
أنفذ أبو علي للمستولي إلى أبي الخير الأقطع صرّة دنانير مع أبي عوانة ، فأخذ الصرّة ، فقسمها وجعلها قسمين ، ثم أخذ قسما وقال : هذا يصلح لنا ، وذاك لا يصلح لنا. فرد ما ردّه من الدنانير إلى أبي علي ، فدعا بوكلائه وقال : من أين حملت هذه الدنانير؟ قالوا : وقفت على بغلة فبعناها على بعض الأخشادية ، فقال أبو علي : من هاهنا أتينا.
قال أبو ذرّ : سمعت عيسى يقول :
كان خيثمة بن سليمان يبعث كلّ سنة لي شيئا. فلمّا كان بعض السنين بعث لي ذلك مع رجل ، فإذا بين الدراهم التي بتينات وبين الذي معه صرف ، فباع ما معه بدراهم تينات ، وأخذ الزيادة لنفسه ، ثم جاء اليّ ، وأعطاني ، فخرج أبو الخير إلى الطرابلس من يومه ، فإذا بخيثمة قد خرج إلى الصحراء لبعض شأنه ، فلما رآه عرفه. وترجّل له. وقبّل رأسه ، وقال له : ما الذي أقدمك؟ فقال : كنت تبعث لنا في كل سنة بشيء طيب ، وهذا ليس بطيّب ، والذنب للرسول ، ولكن لا تعاقبه ، ولا تستعمله أبدا. وترك تلك الدراهم عنده ورجع ، فرجع الرسول بعد أيام ـ قال خيثمة : وكنت كتبت اليوم الذي رأيت فيه أبا الخير ـ فقال : قدمت تينات وسلمت إليه ما أمرتني في يوم كذا وكذا. قال : وهو اليوم الذي جاءني أبو الخير ، وبين تينات وبين