أبكي وأنت تموت بفلاة من الأرض ، ولا بدّ لي بتكفينك (١) ، وليس معنا ثوب يسعك كفنا ، ولا لك ، فقال : لا تبكي ، وأبشري ، فإنّي سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «لا يموت بين امرأين مسلمين ولدان أو ثلاثة فيصبرا ويحتسبا فيريان (٢) النار أبدا» وإنّي سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول لنفر أنا فيهم : «ليموتنّ رجل منكم بفلاة من الأرض ، تشهده عصابة من المؤمنين» وليس من أولئك النفر أحد إلّا وقد مات في قرية وجماعة ، وإنّي أنا الذي أموت بالفلاة ، والله ما كذبت ولا كذبت ، فأبصري (٣) الطريق ، قالت : فقلت : أنّى وقد ذهب الحاج وتقطعت الطرق ، قال : فقال : انظري ، فكنت اشتدّ إلى الكثيب ، فأقوم عليه ثم أرجع إليه فأمرّضه ، قالت : فبينما أنا كذلك إذا أنا برجال على رواحلهم كأنهم الرّخم ، فألحت بثوبي ، فأسرعوا إليّ ، ووضعوا السياط في نحورها يستبقون إلي ، فقالوا : ما لك يا أمة الله؟ فقلت : امرؤ من المسلمين تكفنونه يموت ، قالوا : ومن هو؟ قلت : أبو ذرّ ، قالوا : صاحب رسول الله صلىاللهعليهوسلم؟ قلت : نعم ، قالت : ففدوه بآبائهم وأمهاتهم وأسرعوا إليه حتى دخلوا عليه ، فسلموا عليه ، فرحّب بهم وقال : أبشروا ، فإنّي سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «لا يموت بين امرأين من المسلمين ولدان أو ثلاثة فيصبرا ويحتسبا فيريان (٤) النار أبدا» ، وسمعته يقول لنفر أنا فيهم : «ليموتنّ رجل منكم بفلاة من الأرض تشهده عصابة من المؤمنين» ، وليس من أولئك النفر أحد إلّا وقد هلك في قرية وجماعة ، وإنّي أنا الذي أموت بفلاة ، والله ما كذبت ولا كذبت ، وإنه لو كان عندي ثوب يسعني كفنا أو لامرأتي ثوب يسعني كفنا لم أكفن إلّا في ثوب هو لي أو لها ، وإنّي أنشدكم الله لا يكفّني منكم رجل كان أميرا ولا عريفا أو بريدا أو نقيبا ، قال : فليس على القوم أحد إلّا وقد قارف من ذلك شيئا إلّا فتى من الأنصار ، قال : أنا أكفنك بكذا ... (٥) مما ذكرت شيئا ، أكفنك في ردائي هذا وفي ثوبين في عيبتي من غزل أمي ، قال : أنت صاحبي ، قال : فكفني ، قال : فكفّنه الأنصاري ودفنه في النفر الذين هم معه منهم :
حجر بن الأدبر ، ومالك الأشتر في نفر كلهم يماني.
__________________
(١) فوقها ضبة بالأصل ، وفي مختصر أبي شامة وابن سد : بتغييبك.
(٢) كذا بالأصل : فيريا.
(٣) في ابن سعد : فراقبي الطريق.
(٤) بالأصل : فيريا.
(٥) كلمة غير واضحة بالأصل.