تبارك وتعالى ، وخضوعا لعظمته ، واستكانة لعزته أن أحل له حرمة بلده ، ولم يحله لأحد قبله ، ولا لأحد بعده.
وليبين عزوجل لمن قال : لن نغلب اليوم من قلة : أن النصر إنما هو من عنده ، وأنه : من ينصره فلا غالب له ، ومن يخذله فلا ناصر له غيره ، وأنه تعالى هو الذي تولى نصر رسوله ودينه لا كثرتكم التي أعجبتكم ، فإنها لم تغن عنكم شيئا فوليتم مدبرين.
فلما انكسرت قلوبهم أرسلت إليها خلع الجبر مع مزيد (ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ) (١).
وقد اقتضت حكمته تبارك وتعالى : أن خلع النصر وجوائزه إنما تفضى على أهل الإنكسار (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ) (٢).
إلى أن قال :
وبهاتين الغزاتين طفئت جمرة العرب لغزو رسول الله «صلىاللهعليهوآله» والمسلمين.
فالأولى خوّفتهم وكسرت من حدتهم.
والثانية : استفرغت قواهم ، واستنفدت سهامهم ، وأذلت جمعهم ، حتى
__________________
(١) الآية ٢٦ من سورة التوبة.
(٢) الآيتان ٥ و ٦ من سورة القصص.