وحواسنا بل قد تكون بعيدة حتى عن تفكيرنا ، يقول سبحانه : ( وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً * وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً * فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً * فَالمُدَبِّرَاتِ أَمْراً ) (١).
فما المراد من ( المُدَبِّرَاتِ أَمْراً ) ؟ أهي مختصة بالمدبرات الطبيعية المادية ، أو المراد هو الأعم منها ؟ فقد روي عن أمير المؤمنين تفسيرها بالملائكة الأقوياء ، الذين عهد الله إليهم تدبير الكون والحياة بإذنه سبحانه ، فكما أنّ هذه المدبرات يجب الإيمان بها وان لم تعلم كيفية تدبيرها وحقيقة تأثيرها ، فكذلك الدعاء يجب الإيمان بتأثيره في جلب المغفرة ، ودفع العذاب وان لم تعلم كيفية تأثيره.
ويشير إلى ذلك ما روي عن النبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم حيث سئل عن الأحراز التي يتداولها سواد الناس يقصدون بها الاستشفاء ، وهل أنّها تستطيع أن تغير القدر أو لا ؟ فأجاب صلىاللهعليهوآلهوسلم : « هي من قدر الله » (٢). فأخبر بهذا عن أنّ الدعاء أيضاً جزء من القدر الإلهي ، فكما قدر أن يشفى المريض بسبب الداوء كذلك قدر أن يشفى بالدعاء.
ثم إنّ العلاّمة الطباطبائي رضوان الله عليه قد أوضح كيفية تأثير الشفاعة في جلب الغفران ودفع العذاب بقوله : « إنّ الشفيع إنّما يحكّم بعض العوامل المربوطة بالمورد ، المؤثرة في رفع العقاب مثلاً من صفات المشفوع عنده ( أي الله سبحانه ) على العامل الآخر الذي هو سبب وجود الحكم وترتب العقاب على مخالفته ( إلى أن قال : ) ومن هنا يظهر أنّ الشفاعة من مصاديق المسببية فهي توسيط السبب المتوسط القريب بين السبب الأوّل ومسبّبه.
__________________
(١) النازعات : ١ ـ ٥.
(٢) التاج الجامع للأصول : ٣ / ١٧٨ ـ ١٧٩. وروى الصدوق عن الإمام الصادق عليهالسلام عندما سئل عن الرقى : أتدفع من القدر شيئاً ؟ فقال : « هي من القدر ». راجع توحيد الصدوق : ٣٨٩.