على ذلك أيضاً قوله سبحانه : ( إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَن فِي القُبُورِ ) (١) ، والاستدلال بالآيتين على نسق واحد.
والجواب أوّلاً : أنّ الآية تنفي السماع والإفهام عن الأموات المدفونين في القبور ، فإنّهم أصبحوا بعد الموت كالجماد لا يفهمون ولا يسمعون ، وهذا غير القول بأنّ الأرواح المفارقة عن هذه الأبدان غير قابلة للإفهام ولا للإسماع والآيتان دالتان على عدم إمكان إسماع الأموات والمدفونين في القبور ، ولا تدلان على عدم إمكان تفهيم الأرواح المفارقة عن الأبدان ، العائشة في البرزخ عند ربهم كما دلت عليه الآيات السابقة.
ومن المعلوم أنّ خطاب الزائر النبي بقوله : يا محمد اشفع لنا عند الله ، لا يشير إلى جسده المطهر ، بل إلى روحه الزكية الحية العائشة عند ربّها ، إلى غير ذلك من الصفات التي يضفيها عليه القرآن الكريم وعلى سائر الشهداء.
والشاهد على ذلك انّا نرى : انّ المسلمين مع وقوفهم على هذه الآيات وتلاوتهم لها كانوا يتوجهون إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بعد وفاته حيث روى الطبراني في الكبير عن عثمان بن حنيف انّ رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان ، في حاجة له ، وكان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته ، فلقى ابن حنيف فشكا إليه ذلك ، فقال له ابن حنيف : ائت الميضاة ، فتوضأ ، ثم ائت المسجد فصل ركعتين ، ثم قل : اللّهم إنّي أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد نبي الرحمة ، يا محمد إنّي أتوجه بك إلى ربك أن تقضي حاجتي ، وتذكر حاجتك ، فانطلق الرجل فصنع ما قال ، ثم أتى باب عثمان فجاءه البواب حتى أخذ بيده ، فأُدخل على عثمان فأجلسه معه على الطنفسة فقال : حاجتك ؟ فذكر حاجته وقضى له ، ثم قال له : ما ذكرت حاجتك حتى كانت الساعة ، وقال : ما كانت لك من حاجة فاذكرها ، ثم إنّ الرجل خرج من
__________________
(١) فاطر : ٢٢.