وأمّا قوله سبحانه : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَٰهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ ) (١) فانتخاب الرسول دون النبي هو المناسب للوحي إنّما هو لأجل قوله ( أَرْسَلْنَا ) الذي يناسب الرسول كما سيوافيك بيانه ، والآية تهدف إلى أنّ الرسالات كلها كانت قائمة على أساس التوحيد ونفي عبادة غيره تعالى.
والمراد من الرسول في قوله سبحانه : ( وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ) (٢) هو أمين الوحي (٣) ، يعني أنّ الرسول ( الروح الأمين ) يوحي إلى ذلك البشر الذي أراد الله أن يكلّمه ، بإذنه سبحانه فالرسول في الآية موح لا موحى إليه كما لا يخفى.
وإلى ذلك يشير العلاّمة اللغوي العسكري حيث يقول في فروقه : « والإنباء عن الشيء قد يكون من غير تحمل النبأ ... » فيريد أنّ النبوة متقومة بتحمل الخبر ولا يشترط في صدقها كون النبي مأموراً بإبلاغه إلى الغير (٤) بخلاف الرسالة فإنّها متقومة بتلك الحيثية.
وأمّا الرسالة : فحقيقتها عبارة عن القيام ، بإنفاذ عمل أو إبلاغ كلام من جانب الغير سواء أكان هو الله سبحانه أم غيره (٥) وتحمّل التبشير والإنذار كما نقلناه عن الراغب والعسكري.
ويدل على ذلك أنّ الله سبحانه إذا أراد من نبيه تبليغ كلام عنه أو تحقيق عمل في الخارج يخاطبه كثيراً بقوله : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ ) لا بلفظ ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ )
__________________
(١) الأنبياء : ٢٥.
(٢) الشورى : ٥١.
(٣) وإلاّ لكان الأنسب مع قوله : ( فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ) لفظ « النبي » لا « الرسول » كما لا يخفى.
(٤) نعم دلّت ظواهر الآيات على أنّ كل نبي كان مبعوثاً إلى الناس كما مضى.
(٥) سيوافيك دليل عمومية الرسالة من جانب المرسل ( بالكسر ) كما سيوافيك دليل عموميتها من جانب نفس المرسل ( بالفتح ).