ثم أخذ بيدي وخرجنا من الخان فقال : أريد أن أمضي إلى قوم لا تحملهم ولا يحملونك ، ولكن نلتقي. وملأ كفي دنينيرات ثم غاب عني ، فقيل لي إنه ببغداد بعد سنة فجئته ، فقيل لي : السلطان يطلبه ، فبينا أنا في الكرخ بين السورين في يوم حار ، فإذا به من بعيد عليه فوطة رملية متخفيا فيها ، فلما رآني بكى وأنشأ يقول :
متى سهرت عيني لغيرك أو بكت |
|
فلا بلغت ما أملت وتمنت |
وإن أضمرت نفسي سواك فلا رعت |
|
رياض المنى من وجنتيك وجنت |
ثم قال : يا علي ، النجاء ، أرجو أن يجمع الله بيننا إن شاء الله.
أنبأنا محمّد بن عليّ بن الفتح ، أنبأنا محمّد بن الحسين بن موسى النّيسابوري قال : سمعت محمّد بن عبد الله بن شاذان يقول : سمعت محمّد بن عليّ الكتاني يقول : دخل الحسين بن منصور مكة في ابتداء أمره ، فجهدنا حتى أخذنا مرقعته ، قال السوسي : أخذنا منها قملة فوزناها فإذا فيها نصف دانق من كثرة رياضته ، وشدة مجاهدته.
حدّثني مسعود بن ناصر ، أنبأنا ابن باكوا الشّيرازيّ قال : سمعت أبا عبد الله الحسين بن محمّد المراري يقول : سمعت أبا يعقوب النهرجوري يقول : دخل الحسين ابن منصور إلى مكة وكان أول دخلته ، فجلس في صحن المسجد سنة لا يبرح من موضعه إلّا للطهارة أو للطواف ، ولا يبالي بالشمس ولا بالمطر ، وكان يحمل إليه كل عشية كوز ماء للشرب ، وقرص من أقراص مكة ، فيأخذ القرص ويعض أربع عضات من جوانبه ، ويشرب شربتين من الماء : شربة قبل الطعام ، وشربة بعده ، ثم يضع باقي القرص على رأس الكوز فيحمل من عنده.
وقال ابن باكوا : حدّثنا أبو الفوارس الجوزقاني ، حدّثنا إبراهيم بن شيبان. قال : سلم أستاذي ـ يعني أبا عبد الله المغربي ـ على عمرو بن عثمان المكي ، فجاراه في مسألة فجرى في عرض الكلام أن قال عمرو بن عثمان : هاهنا شاب على أبي قبيس ، فلما خرجنا من عند عمرو صعدنا إليه وكان وقت الهاجرة ، فدخلنا عليه وإذا هو جالس على صخرة من أبي قبيس في الشمس ، والعرق يسيل منه على تلك الصخرة ، فلما نظر إليه أبو عبد الله المغربي رجع وأشار إليّ بيده : ارجع ، فخرجنا ونزلنا الوادي ودخلنا المسجد ، فقال لي أبو عبد الله : إن عشت ترى ما يلقى هذا ، لأن الله يبتليه بلاء لا يطيقه ، قعد بحمقه يتصبر مع الله! فسألنا عنه وإذا هو الحلاج.