أخبرنا أبو سعد إسماعيل بن عليّ بن الحسن بن بندار الأستراباذي ـ ببيت المقدس ـ قال سمعت أحمد بن محمّد الصّوفيّ يقول : قال أبو عبد الله بن خفيف : دخل أبو طالب خزرج بن عليّ شيراز ، فاعتل علة ، فكنت أخدمه وأقدم إليه الطست في الليل مرارا. وكنت في ذلك الوقت في حال الرياضة ، فكنت لا أفطر إلا على الباقلاء اليابسة ، فسمع أبو طالب ليلة كسرى للباقلاء بأسناني ، فقال لي ما هذا؟ فعرفته حالي ، فبكى وقال : الزم هذا يا أبا عبد الله ، فإني كنت كذلك ، حتى حضرت ليلة مع أصحابنا في دعوة ببغداد ، فقدم إلينا حمل مشوي ، فأمسكت يدي فقال لي بعض أصحابنا : كل بلا أنت ، فأكلت لقمة ، وأنا منذ أربعين سنة إلى خلف. قال ابن خفيف ثم تماثل ، وخرج إلى بعض النواحي ، وجلس في رباط ، وسود داخل الرباط وخارجه وقال : هكذا جلوس أهل المصائب فما خرج منه حتى مات.
ذكر لي أبو نعيم الحافظ أنه من كبار صوفية البغداديّين وقال لي : سمعت أبي يقول سمعت جعفر الحذّاء الشّيرازيّ ـ وذكر خاقان ـ فقال : كان صاحب آيات وكرامات. وذكر أن ابن فضلان الرّازيّ. قال : كان أبي أحد الباعة ببغداد ، وكنت على سرير حانوته جالسا ، فمر إنسان ظننت أنه من فقراء البغداديّين ـ وأنا حينئذ لم أبلغ الحلم ـ فجذب قلبي وقمت إليه فسلمت عليه ، ومعي دينار فدفعته إليه ، فتناوله ومضى ولم يقبل علي ، فقلت في نفسي ضيعت الدينار ، فتبعته حتى انتهى إلى مسجد الشونيزية ، فرأى ثلاثة من الفقراء ، فدفع الدينار إلى أحدهم واستقبل هو القبلة يصلى ، فخرج الذي أخذ الدينار ، وأنا أتبعه وراءه أراقبه فاشترى طعاما ، فحمله فأكله الثلاثة والشيخ مقبل على صلاته يصلى ، فلما فرغوا أقبل عليهم الشيخ فقال : تدرون ما حبسني عنكم؟ قالوا لا يا أستاذ. قال شاب ناولني الدينار فكنت أسأل الله أن يعتقه من رق الدّنيا ، وقد فعل ، فلم أتمالك أن قعدت بين يديه وقلت : صدقت يا أستاذ ، فلم أرجع إلى والدي إلا بعد حجتين. قال جعفر : وكان هذا الشيخ خاقان.
من أهل سر من رأى. نزل بغداد وكان له حلقة يتكلم فيها ، وكان قد صحب أبا
__________________
٤٤٥٣ ـ انظر : المنتظم ، لابن الجوزي ١٢ / ٣٢٩.
٤٤٥٤ ـ انظر : طبقات الأقطاب ـ خ. والأعلام ٢ / ٣٢٦.