وعياله ، وأرى الأسباب والأرزاق كلها بيد الله ، وأرى قضاء الله نافذا في كل أرض الله ، فقال له الرجل : نعم الزاد زادك يا حاتم ، أنت تجوز به مفاوز الآخرة ، فكيف مفاوز الدّنيا؟
أخبرني الأزهري ، أنبأنا محمّد بن العبّاس الخزّاز ، حدّثنا أبو مزاحم موسى بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان ، حدّثني محمّد بن عمرو بن مكرم الصّفّار قال : قرأ علينا عمي محمّد بن مكرم ـ وذكر أنه سمعه من أبي عبد الرّحمن حاتم الأصم ـ قال : قال حاتم : جعلت على نفسي إن قدمت مكة أن أطوف حتى أنقطع ، وأصلي حتى أنقطع وأتصدق بجميع ما معي ، فلما قدمت صليت حتى انقطعت ، وطفت حتى انقطعت ، فقويت على هاتين الخصلتين ولم أقو على الأخرى ، قال : كنت أخرج من هاهنا ويجيء من هاهنا! وقال : قال حاتم : وقع الثلج ببلخ فمكثنا في بيت ثلاثة أيام ومعي أصحابنا ، فقلت لهم : يخبرني كل رجل منكم بهمته؟ قال : فأخبروني فإذا ليس فيهم أحد لا يريد أن يتوب من تلك الهمة ، قال : قالوا لي : ما همتك أنت يا أبا عبد الرّحمن؟ قال : قلت : ما همتي الساعة إلّا شفقة على إنسان يريد أن يحمل رزقي في هذا الطين. قال : فإذا رجل قد جاء ومعه جراب خبز وقد زلق فامتلأت ثيابه طينا فقال : يا أبا عبد الرّحمن خذ هذا الخبز. قال حاتم : وخرجت في سفر ومعي زاد ، فنفد زادي في وسط البرية ، فكان قلبي في البرية والحضر واحدا.
أخبرني الأزهري ، أنبأنا محمّد بن العبّاس ، حدّثنا أبو مزاحم ، حدّثني محمّد بن عمرو الصّفّار ، حدّثني عبد الله بن مت البلخيّ قال : سمعت حاتما الأصم وقيل له من أين تأكل؟ فقال : (وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ) [المنافقون ٧].
أنبأنا أبو نعيم الحافظ قال : سمعت أحمد بن بندار الفقيه يقول : حدّثنا أحمد بن عمرو بن أبي عاصم قال : سمعت أبا تراب النخشبي يقول : سمعت حاتما يقول : لي أربع نسوة ، وتسعة من الأولاد ما طمع الشيطان أن يوسوس إلى في شيء من أرزاقهم.
أنبأنا عبد الكريم بن هوازن القشيري قال : سمعت أبا علي الحسن بن عليّ الدّقّاق يقول : جاءت امرأة فسألت حاتما عن مسألة ، فاتفق أن خرج منها في تلك الحالة صوت فخجلت. فقال حاتم : ارفعي صوتك ، وأرى من نفسه أنه أصم. فسرت المرأة لذلك ، وقالت إنه لم يسمع الصوت فغلب عليه اسم الصمم.