كأنما جاد مغناه فغيره |
|
دموعنا يوم بانوا ، وهي تنهمل |
ولو ترانا وإياهم وموقفنا |
|
في موقف البين لاستهلالنا زجل |
من حرقة أطلقتها فرقة أسرت |
|
قلبا ، ومن عذل في نحره عذل |
وقد طوى الشوق في أحشائنا بقر |
|
عين طوتهن في أحشائها الكلل |
ثم مر فيها حتى انتهى إلى قوله في مدح المعتصم :
تغاير الشعر فيه إذ سهرت له |
|
حتى ظننت قوافيه ستقتتل |
قال : فعقد أبو الشيص عند هذا البيت خنصره ، ثم مر فيها إلى آخرها.
فقلنا : زدنا ، فأنشدنا :
دمن ألمّ بها فقال سلام |
|
كم حل عقدة صبره الإلمام |
ثم أنشدها إلى آخرها ، وهو يمدح فيها المأمون ، واستزدناه فأنشدنا قصيدته التي أولها:
قدك اتئد أربيت في الغلواء |
|
كم تعذلون وأنتم سجرائي؟ |
حتى انتهى إلى آخرها ، فقلنا له : لمن هذا الشعر؟ فقال : لمن أنشدكموه ، قلنا : ومن تكون؟ قال : أنا أبو تمام حبيب بن أوس الطائي ، فقال له أبو الشيص : تزعم أن هذا الشعر لك ، وتقول :
تغاير الشعر فيه إذ سهرت له |
|
حتى ظننت قوافيه ستقتتل؟ |
قال : نعم! لأني سهرت في مدح ملك ، ولم أسهر في مدح سوقة ، فعرفناه حتى صار معنا في موضعنا ، ولم نزل نتهاداه بيننا ، وجعلناه كأحدنا ، واشتد إعجابنا به لدماثته ، وظرفه وكرمه. وحسن طبعه ، وجودة شعره ، وكان ذلك اليوم أول يوم عرفناه فيه ، ثم ترقت حاله حتى كان من أمره ما كان.
أخبرني عليّ بن أيّوب القمي ، أنبأنا محمّد بن عمران الكاتب ، أخبرني الصولي ، حدّثني الحسين بن إسحاق قال : قلت للبحتري : الناس يزعمون أنك أشعر من أبي تمام؟ فقال : والله ما ينفعني هذا القول ولا يضير أبا تمام ، والله ما أكلت الخبز إلّا به ، ولوددت أن الأمر كما قالوا ، ولكني والله تابع له ، لائذ به ، آخذ منه ، نسيمي يركد عند هوائه ، وأرضي تنخفض عند سمائه.