قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

تاريخ بغداد أو مدينة السّلام [ ج ٨ ]

244/526
*

كأنما جاد مغناه فغيره

دموعنا يوم بانوا ، وهي تنهمل

ولو ترانا وإياهم وموقفنا

في موقف البين لاستهلالنا زجل

من حرقة أطلقتها فرقة أسرت

قلبا ، ومن عذل في نحره عذل

وقد طوى الشوق في أحشائنا بقر

عين طوتهن في أحشائها الكلل

ثم مر فيها حتى انتهى إلى قوله في مدح المعتصم :

تغاير الشعر فيه إذ سهرت له

حتى ظننت قوافيه ستقتتل

قال : فعقد أبو الشيص عند هذا البيت خنصره ، ثم مر فيها إلى آخرها.

فقلنا : زدنا ، فأنشدنا :

دمن ألمّ بها فقال سلام

كم حل عقدة صبره الإلمام

ثم أنشدها إلى آخرها ، وهو يمدح فيها المأمون ، واستزدناه فأنشدنا قصيدته التي أولها:

قدك اتئد أربيت في الغلواء

كم تعذلون وأنتم سجرائي؟

حتى انتهى إلى آخرها ، فقلنا له : لمن هذا الشعر؟ فقال : لمن أنشدكموه ، قلنا : ومن تكون؟ قال : أنا أبو تمام حبيب بن أوس الطائي ، فقال له أبو الشيص : تزعم أن هذا الشعر لك ، وتقول :

تغاير الشعر فيه إذ سهرت له

حتى ظننت قوافيه ستقتتل؟

قال : نعم! لأني سهرت في مدح ملك ، ولم أسهر في مدح سوقة ، فعرفناه حتى صار معنا في موضعنا ، ولم نزل نتهاداه بيننا ، وجعلناه كأحدنا ، واشتد إعجابنا به لدماثته ، وظرفه وكرمه. وحسن طبعه ، وجودة شعره ، وكان ذلك اليوم أول يوم عرفناه فيه ، ثم ترقت حاله حتى كان من أمره ما كان.

أخبرني عليّ بن أيّوب القمي ، أنبأنا محمّد بن عمران الكاتب ، أخبرني الصولي ، حدّثني الحسين بن إسحاق قال : قلت للبحتري : الناس يزعمون أنك أشعر من أبي تمام؟ فقال : والله ما ينفعني هذا القول ولا يضير أبا تمام ، والله ما أكلت الخبز إلّا به ، ولوددت أن الأمر كما قالوا ، ولكني والله تابع له ، لائذ به ، آخذ منه ، نسيمي يركد عند هوائه ، وأرضي تنخفض عند سمائه.