وبلغني أنه بعث بكتابه المسند إلى أبي العبّاس بن عقدة لينظر فيه. وجعل في الأجزاء بين كل ورقتين دينارا ، وكان أبو الحسن الدّارقطنيّ هو الناظر في أصوله ، والمصنف له كتبه.
فحدّثني القاضي أبو العلاء الواسطيّ عن الدّارقطنيّ. قال : صنفت لدعلج المسند الكبير ، فكان إذا شك في حديث ضرب عليه ، ولم أر في مشايخنا أثبت منه. قال لي أبو العلاء ، وقال عمر بن جعفر البصريّ : ما رأيت ببغداد ممن انتخبت عليهم أصح كتبا ، ولا أحسن سماعا من دعلج بن أحمد.
حدّثني عليّ بن محمّد بن نصر الدّينوريّ قال سمعت حمزة بن يوسف السهمي يقول : سئل أبو الحسن الدّارقطنيّ عن دعلج بن أحمد فقال : كان ثقة مأمونا. وذكر له قصة في أمانته وفضله ونبله.
حدّثني أبو القاسم الأزهري عن أبي عمر محمّد بن العبّاس بن حيويه قال : أدخلني دعلج إلى داره ، وأراني بدرا من المال معبأة في منزله وقال لي : يا أبا عمر خذ من هذه ما شئت. فشكرت له وقلت : أنا في كفاية وغنى عنها ، فلا حاجة لي فيها.
حكى لي القاضي أبو العلاء الواسطيّ عن دعلج أنه سئل عن سبب مفارقته مكة بعد أن سكنها فقال : خرجت ليلة من المسجد ، فتقدم ثلاثة من الأعراب فقالوا : أخ لك من أهل خراسان قتل أخانا. فنحن نقتلك به.
فقلت : اتقوا الله فان خراسان ليست بمدينة واحدة. فلم أزل أداريهم إلى أن اجتمع الناس وخلوا عني. فكان هذا سبب انتقالي إلى بغداد. وكان يقول : ليس في الدّنيا مثل داري ، وذاك أنه ليس مثل في الدّنيا مثل بغداد ، ولا ببغداد مثل القطيعة ، ولا في القطيعة مثل درب أبي خلف. وليس في الدرب مثل داري.
حدّثني أبو بكر محمّد بن عليّ بن عبد الله الحدّاد ـ وكان من أهل الدين والقرآن والصلاح ـ عن شيخ سماه ، فذهب عني حفظ اسمه ، قال : حضرت يوم الجمعة مسجد الجامع بمدينة المنصور ، فرأيت رجلا بين يدي في الصف حسن الوقار ظاهر الخشوع ، دائم الصلاة ، لم يزل ينتفل مذ دخل المسجد إلى قرب قيام الصلاة ثم جلس ، قال : فعلتني هيبته ودخل قلبي محبته ، ثم أقيمت الصلاة فلم يصل مع الناس الجمعة ، فكبر على ذلك من أمره ، وتعجبت من حاله ، وغاظني فعله ، فلما قضيت الصلاة تقدمت إليه وقلت له أيها الرجل ما رأيت أعجب من أمرك! أطلت النافلة