البذرة لا تتفتح ، ولا تصير نباتاً ولا شجرة إلاّ بعد ابتلاء وتأثير من الهواء ، والشمس ، والأرض حتى تكون شجراً ، فهكذا الإنسان لا تتفتح طاقاته الكامنة إلاّ إذا وضع في ظروف خاصّة توجب تفتح القوّة وظهورها إلى مرحلة الكمال.
فالتكاليف الشاقة الملازمة للشدّة والضغط ، توجب ظهور الثمار وإبراز الطاقة.
ولندرس حياة الخليل عليهالسلام حتى نقف على حقيقة هذا الجواب.
كان الخليل عليهالسلام قبل الابتلاء إنساناً ذا طاقة وكمال دفين في شخصيته غير أنّ تلك الطاقة ـ الّتي نعبّر عنها : بأنّه كان قابلاً لأن يكون إنساناً مثالياً ملكوتياً بترك كل شيء من أجل خالقه تعالى ـ كانت مستورة في وجوده ، دفينة في أغوار شخصيته ، فأراد سبحانه إظهارها فجعلها في مجال الامتحان وبوتقة الاختبار ، فتفتحت وصارت كمالاً بالفعل.
وقد أشار الإمام علي عليهالسلام إلى هذا الجواب بقوله : « لا يقولنّ أحدكم اللّهمّ إنّي أعوذ بك من الفتنة ، لأنّه ليس أحد إلاّ وهو مشتمل على فتنة ، ولكن من استعاذ فليستعذ من مضلاّت الفتن ، فإنّ الله سبحانه يقول : ( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ ) (١) » (٢).
وهذا التعبير من الإمام يشير إلى أنّ الامتحان سنّة ثابتة من الله سبحانه وتعالى في عباده ليس عنها محيص ، ويشير بعد ذلك إلى فلسفة تلك السنّة بقوله عليهالسلام : « ومعنى ذلك انّه يختبرهم بالأموال والأولاد ليتبيّن الساخط لرزقه والراضي بقسمه ، وإن كان سبحانه أعلم بهم من أنفسهم ، ولكن لتظهر الأفعال
__________________
(١) الأنفال : ٢٨.
(٢) بحار الأنوار : ٩٤ / ١٩٧ ح ٦.