كم ليلة شردوا بإكرامه (٢٠٧) وحشتي ، وشيدوا بإنعامهم حرمتي ، واسمعوني مناجاة أسحارهم ، وأمتعوني بإيداع أسرارهم؟
وكم يوم عمروا ربعي بمحافلهم ، وعطروا طبعي بفضائلهم ، وأورقوا عودي بماء عهودهم ، وأذهبوا نحوسي بنماء سعودهم؟
وكم غرسوا لي من المناقب ، وحرسوا محلي من النوائب؟
وكم أصبحت بهم أتشرف على المنازل والقصور ، وأميس في ثوب الجذل والسرور؟
وكم أعاشوا في شعابي من أموات الدهور ، وكم انتاشوا على أعتابي من رفات (٢٠٨) المحذور.
فقصدني فيهم سهم الحمام ، وحسدني عليهم حكم الأيام ، فأصبحوا غرباء بين الأعداء ، وغرضاً لسهام الإعتداء ، وأصبحت المكارم تقطع بقطع أناملهم ، والمناقب تشكو لفقد شمائلهم ، والمحاسن تزول بزوال أعضائهم ، والأحكام تنوح لوحشة أرجائهم.
فيالله من ورع أريق دمه في تلك الحروب ، وكمال نكس علمه بتلك الخطوب.
ولئن عدمت مساعدة أهل المعقول ، وخذلني عند المصاب جهل العقول ، فإن لي مسعداً من السنن الدارسة والأعلام الطامسة ، فإنها تندب كندبي وتجد مثل وجدي وكربي.
فلو سمعتم كيف ينوح عليهم لسان حال الصلوات ، ويحن إليهم إنسان
__________________
(٢٠٧) ر : بإلمامهم.
(٢٠٨) ر : رقاب.