الخلوات ، وتشتاقهم طوية المكارم ، وترتاح إليهم ندية الأكارم ، وتبكيهم محاريب المساجد ، وتناديهم ميازيب الفوائد (٢٠٩) ، لشجاكم سماع تلك الواعية النازلة ، وعرفتم تقصيركم في هذه المصيبة الشاملة.
بل ، لو رأيتم وجدي وأنكساري وخلو مجالسي وآثاري ، لرأيتم ما يوجع قلب الصبور ويهيج أحزان الصدور ، ولقد شمت بي من كان يحسدني من الديار وظفرت بي أكف الأخطار.
فيا شوقاه إلى منزل سكنوه ، ومنهل (٢١٠) أقاموا عنده وأستوطنوه ، ليتني كنت إنساناً أقيهم حز السيوف ، وأدفع عنهم حر الحتوف ، وأحول بينهم وبين أهل الشنآن (٢١١) ، وأرد عنهم سهام العدوان.
وهلا إذ فاتني شرف تلك المواساة الواجبة ، كنت محلاً لضم جسومهم الشابحة ، وأهلاً لحفظ شمائلهم من البلاء ، ومصوناً من روعة هذا الهجر والقلاء.
فآه ثم آه ، لو كنت مخطأ لتلك الأجساد ومحطاً لنفوس أولئك الأجواد ، لبذلت في حفظها غاية المجهود ، ووفيت لها بقديم العهود ، وقضيت له بعض الحقوق الأوائل ، ووقيتها جهدي من وقع تلك الجنادل وخدمتها خدمة العبد المطيع ، وبذلت لها جهد المستطيع ، وفرشت لتلك الخدود والأوصال فراش الإكرام والإجلال ، وكنت أبلغ منيتي من أعتناقها ، وأنور ظلمتي بإشراقها.
فيا شوقاه إلى تلك الأماني ، ويا قلقاه لغيبة أهلي وسكاني ، فكل حنين يقصر عن حنيني ، وكل دواء غيرهم لا يشفيني ، وها أنا قد لبست لفقدهم أثواب
__________________
(٢٠٩) ر : وتدبهم ميازيب الفوائد ، ع : وتناديهم مارب.
(٢١٠) ر : وسهل.
(٢١١) ع : أشفي غيظي من أهل السنان.