المراجعة والحفر والبعثرة والاستنطاق والمقارنة والاستقراء والتحليل والاستنتاج ... ـ يرمي إلى إماطة اللثام عن الوجه الخفيّ للواقع. لذا فهو يقتحم مكامن الخلل والنقص والضعف لدى خصمه ليبرهن أنّ الحقيقة لا تتمثّل من جانبه كخصم بهذا الموقف المجتَزأ أو ذاك المتهافت. وغايته القصوى تقضي بوضع شروط معرفيّة جديدة وتأسيس نظم فكريّة تناسب المطلوب. فالعقل النقدي لا يسلّم بأيّ معطى أو مبدأ إلاّ ويدقّق فيه بذاته ، دونما الانبهار بما يقوله الآخرون أو يفرضه العقائديّون.
إنّ النقد يفضي إلى امتلاك إمكانيّات جديدة للوجود والحياة ، تتغيّر معها علاقات القوّة بين المرء ونفسه ، وبينه وبين الغير والعالم. وفي ضوء مبادئ النقد هذه ومرامي النقّاد انصرف معظم المفكّرين المعاصرين نحو إعادة قراءة الوقائع المعاشة والمعرفيّات المرتهنة والسلوكيّات الممارسة لنفض غبار التقليد عنها ومحاولة ترسيخ اُسس نهضويّة تكون أكثر فاعليّة من تلك القائمة سابقاً على النقل والإسقاط ، حين رام أصحابها إخفاء المشاكل الحقيقيّة أو تخوّفوا من أبواب حلول جذريّة. والهامّ في الفكر النقدي كشفه عن أنماط جديدة من العلاقات بين الفكر وإجراءاته العملانيّة.
هذا ، ولم يألُ الناقد جهداً على جادّة الاغتراف من شتّى المنهجيّات والوسائط التحليليّة التي تدعمه في بلوغ المراد بما يتناسب مع العصر والتطوّر ، فكانت أنساق العلوم الإنسانيّة واللسانيّة ضالّته التي تفتح له