يفهم معنى الجمود والتقفّي الأعمى ، وهل للمعرفة أن تجمد وتقلّد وتجامل؟! فإنّنا لا نشكّ لحظةً بتغيّر الموضوع إن كان النسقُ نسقَ الجمود والتقليد الأعمى والمجاملة الجاهلة.
علّمني التطفّل على فضاءات المعرفة وأدواتها أنّ الإيمان وعيٌ لا غير ، وهذا يعني بعثرة الأوراق المفاهيميّة على الدوام وإعادة ترتيبها بذاك الشكل أو غيره ، فلا أقبع خلف قضبان التقليد ولا أقبل التجديد مطلقاً ، فأنا أدّعي الانتماء ولي هويّة تعرّفني وفكرٌ يقوّم رؤياي ، وأساليب الحركة والسكون مختمرة في عقلي ; هذا من جهة.
ومن جهة اُخرى ، فنفس هذا العقل وهذا الفكر والانتماء والهويّة تحتّم عليّ جميعاً أن أغور في العمق متجاوزاً كلّ القشور والأغلفة الخارجيّة ـ التي هي مجرّد حواجز ورقيّة إن أردتُ التجاوز ـ لأبلغ ما يرفدني ويغذّيني بمؤن الأمان والاطمئنان ، فأشمخ إنساناً يرى بوعي ويشمّ بوعي ويسمع بوعي ويلمس بوعي ، بقلب ينبض بالوعي ; فأنا لا اُريد أن اُبقي على وجودي وانتمائي كتلةَ أحاسيس ليس إلاّ ، فإنّها تتصدّع أو تذوب لأدنى حادث أو رشقة مطر صيفيّة ; هذا لأ نّي اُريد أن أكون مؤمناً بوعي ، مؤمن الكياسة والفطنة لا مؤمن القشور والأغلفة الزائلة ، المؤمن الذي يشعّ نور الفيض الالهي على كلّ خلايا وأنسجة عقله وقلبه ، فيغدو محور إشعاع وقطب هداية ووسيلة فلاح ، محوراً يرفض الحذف والنفي والترويع بشتّى صنوفه وآلياته ، يقبل الآخر ، مصداقاً للإجابة عن سؤال الحياة الكبير ... إنّها النفس المطمئنّة الأوّابة الراضية