لا أحد منّا نادمٌ ولا آسفٌ على ما بذله طيلة ما مضى من الأعوام والعقود ; لأ نّنا ما جئنا لنبلغ البروج العاجية ونحصد المال والشهرة ، جئنا في تلك السنين العجاف لرغبة ولاء وحبٍّ لخزين من العلوم والمعارف بنت عليه أتربة الدهر بنيانها وشادت فوقه العنكبوت بيوتها ، خزين يستغيث ويصرخ وينادي بالإنعاش ، فاستجبنا لنداء الإغاثة وشمّرنا عن ساعد العزم والإرادة والعشق والولاء ، وإذا بنا ـ جذلين مسرورين ـ نرفد معاقل الثقافة بروائع المصادر والمراجع التي أزحنا عنها ما استطعنا من غبار ، فجاءت بحلّة مصحّحة منقّحة جميلة فاتنة.
نعتوا مشروعنا بخصائص الإبداع والابتكار ومنحونا نياشين الفوز والنجاح ، وصرنا أصلاً تنشعب من نسقه ونهجه الفروع والأجزاء. كلّ ذلك كان يجري أيّام العسر والمحنة.
ما كان الواحد منّا يصدّق أنّ أيّام العزّ والرفاه إن حلّت ستحاصرنا وتطوّق حركتنا وتصاب الرغبة والعزم والحب فينا بالاُفول والضمور.
نعم ، لقد صرنا واحداً من ضحايا العزّ والرفاه ، ولا ندري فلعلّنا كنّا الذراع التي اُريد بها مطيّة البلوغ ونيل الغايات الكبار.
أيضاً لا ندم ولا أسف ; إذ المبادئ والعلم والمعرفة والثقافة تبقى وتزول الغايات المعهودة وما سواها من الغايات.
أقول : أنأى جانباً ... قرارٌ صعب أن ينسلخ الإنسان عن واقع عاش فيه أخذاً وعطاءً وولِهَ به العمر كلّه. أنأى لأختلي بمتنفّسي ، بقلمي وكتابتي