بها ، فكلّما نالها وجد أنّ الذي يفحص عنه شيء آخر ، وهكذا تستمرّ دوّامة الضياع والجهل حين يريد ولا يعلم أيّ حقيقة يريد :
حقيقة الكمال الإنساني الذي يعني حيازة شروط المعرفة الصحيحة التي تعيده إلى قطب السعادة ومحورها الحقيقي ، إلى فطرة الله التي فطر الناس عليها ، فلا ينسج حالئذ في ذاكرته ولا يغرس في كوامنه إلاّ شيئاً واحداً ، هو الوفاء بالعهد الذي قطعه على نفسه حينما قبل الأمانة ، فلا يبقى بعدئذ لأصنام الذاكرة مكان في العقل والقلب ، فيعود إلى فضاء من النقاء والصفاء الإنساني الذي يعني الكمال والهداية والفلاح.
أم قد فرض التحوّل المعرفي والنسقي ـ بتنامي المضمون والأدوات والأداء ـ حقائقه على عقلي وأحاسيسي ، فعدت اُعالج التساؤلات والمبهمات والتعبديّات والحماسيّات بروح العقلانيّة التي تلفظ الغموض والضبابيّة والحلول العاطفيّة والإسكاتيّة والانتماءات الوراثيّة ، وتستقطب الأدوات الإقناعيّة الخاضعة للمناهج العلميّة ، حين تراجع وتحلّل وتستقرئ وتستنطق وتحفر وتبعثر وتقارن وتفعل كلّ ما بوسعها من أجل نتائج مفعمة بالقناعة والقبول العقلاني ، وبذلك فهي غير مكترثة بمخاطر الولوج في المساحات الحرجة والآفاق الممنوعة والدهاليز الخاصّة مادامت تروم الأمان وراحة البال والاستقرار عبر الخروج من دوّامة الإبهامات والتقليديّات والتبعيّات العمياء ، بالانطلاق في فضاء المعرفيّات والبرهانيّات ، التي لا أرى أيّ تناف بينهما وبين الاُصول والثوابت مادامت تقوم على قاعدة (تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِين بِإِذْنِ رَبِّهَا) فمادمنا نحن أتباع