اكتشفتُ أنّ التعشعش والاختباء بظلّ القشور المعرفيّة خشيةً من الجوهر مَثَلُه مَثَلُ ذلك الذي يفوج مكادحاً الطين وغِرْيَنِ السواحل والضفاف خوفاً من ولوج الأعماق القاتلة ، فكما الثاني الذي لا يجيد السباحة وفنونها فيخاف الدنوّ من الأعماق كي لا يغرق ويموت ، كذا الأوّل أيضاً إذ يخشى الجوهر وسبر الغور فيه سبراً جدّيّاً كي لا يتلاشى في عمقه أو لا يطير ـ وهو كسير الجناح أو فاقده ـ في فضائه الذي لا تلجه أو لا تحلّق فيه المظاهر الزائفة والاستعراضات الخاوية.
واكتشفت أنّ الولوج في ما أهابه والخوض في ما أجهله واقتحام ما أخافه قد وفّر لي اُفقاً أرحب وفضاءً أشمل حتى اُعالج ذلك الخلل والنقص والخطأ ; وحتى لا أكتفي بحبّ العلم والفكر والثقافة ، بل يجب بذل المزيد وتحمّل الصعاب والمشقّة والمعاناة علّني أتعلّم شيئاً أستفيد منه واُفيد.
وأيقنت أنّ الدرس والمطالعة والمباحثة رغم عظم فائدتها لكنّها لا تفي بالمطلوب إن لم تقترن بالتفكّر والتأمّل والتدبّر ، وأ نّها لا تمنح الكرامة والعزّة إذا لم تكن مصحوبةً بترويض النفس والذات وكبح جماح الرغبة والشهوة والهوى الذي يقود إلى الحطّ من الشأن والشرف الإنساني ; حيث فخر الثقافة والمعرفة بقوّة الإرادة والعزيمة ومناعة الطبع وعدم الركون للذلّ والهوان.
وتعلّمت أنّ العلم والمعرفة والثقافة السليمة تناهض الاستبداد