قال أبو حامد الغزالي في إحياء علم الدين (ج٢ ص٣٤١ ، ٢٤) : كان إبراهيم بن أدهم من المشتاقين فقال : قلت ذات يوم : يا ربّ! إن أعطيت أحداً من المحبّين لك ما يسكن به قلبه قبل لقائك فأعطني ذلك فقد أضرّ بي القلق. قال : فرأيت في النوم أنّه أوقفني بين يديه وقال : يا إبراهيم! أما استحييت منّي أن تسألني أن أعطيك ما يسكن به قلبك قبل لقائي وهل يسكن المشتاق قبل لقاء حبيبه ، فقلت : يا ربّ ، تهتُ في حبّك فلم أدر ما أقول فاغفر لي وعلّمني ما أقول ، فقال : قل : اللهمّ رضّني بقضائك وصبّرني على بلائك وأوزعني شكر نعمائك. فإنّ هذا الشوق يسكن في الآخرة.
نقول : من الحيف أن يكون الشوق شرّاً وفيه من المدارج ما تسمو بها النفس إلى حيث لقاء المحبوب ، وأيّ محبٍّ هذا الذي انطبع بالشرّ وانسلخ عن الخير؟! فلابدّ للشوق إذن أن يكون خيراً تتحرّك به النفس إلى معشوقها ، وهل معشوق أجمل وأجلّ منه جلّ جلاله؟!
وأجمل ما في الشوق معرفة غايته ، وللمعرفة اُصول ومناهج واُسس إن حصلنا عليها أدركنا معنى الشوق الحقيقي وأ نّه إليه تبارك وتعالى ذلك الاشتياق الذي لا تهدأ به النفس بعد اللقاء ، بل يتضاعف ويزداد إليه جلّ وعلا ..
إنّه لا يتخلّى عنّي أبداً يجرّني إليه وأنا أبتعد عنه ، تبعدني عنه شهوتي وجهلي ، فأعتقد واهماً أنّي أطلب شيئاً من دنياي غافلاً عن كوني أطلبه