يعرفوا مفهوم المعاناة والويلات ، ولم يبلغوا ما بلغوا إلاّ بالصنميّة والحربائيّة والببغائيّة ... إنّهم ليسوا سوى زبداً يذهب جفاءً ; إذ الحكمة ليست في تراقص الأغصان وتدلّيها غروراً وكبرياءً ، إنّما الحكمة في ثبات الجذور وصلابتها وامتدادها وديمومة عطائها.
وباختلاط الأوراق تتبدّل الملاكات وتتغيّر الضوابط وتنقلب الموازين ، فتصير القيم والمبادئ والأخلاق والدين رهينة المال والسلطة على سبيل المثال ، فالكبار إذن كبار المال والسلطة لا كبار المبادئ والأخلاق ، من هنا يكون الحفاظ على شرف الاستقلال وجلالة العزّة ونبل الالتزام صعباً مرّاً ، والأمرّ ما فيه لو كان النزاع جارياً في ظلّ الفضاء الواحد والانتماء المشترك ، فلا محيد عن كسر العظم أحياناً وربما غالباً ، ولاسيّما إذا انعقدت أركان الاجماع المركّب ، إنّه مفترق طريق خطير. وهذا ما لا يكون لو تعدّدت الفضاءات ، إذ المناوئ والمعارض والعدوّ له شواخصه ومعالمه الواضحة التي تتّضح معها سبل الردّ والمواجهة.
إنّنا بحكم الفضاء المشترك نعاني أحياناً تبايناً في الرؤى والمواقف والأفكار ، هذا التباين الذي يؤسّس ـ نتيجة الحاجة ـ لصراح الحلقات أو حلقات الصراع وتنامي الاستحسانات والاستنباطات البراغماتية والحركات الديماغوجية بالاستفادة من أدوات القدرة والسلطة لبسط النفوذ والهيمنة على حساب المصالح الشرعيّة ثم بلوغ المقاصد المطلوبة ، فيتراجع مفهوم الدين والأخلاق لمّا يُتَّخَذَا درعاً واقياً لذوي التوجّهات المذكورة بعدما كان اللازم أن نكون جميعاً درعاً واقياً وسدّاً منيعاً للدين