إنّ حكم القضاء حاضر فاعل بالدليل والمؤيّد والقرينة ، فصياغة المشروع شيء وتنفيذه شيء وملاحقة المخالف شيء ، لدينا إذن ثلاثة أقطاب بثلاثة محاور ، لكنّها لابدّ أن تنسجم جميعاً نهاية المطاف كي يحصل المطلوب ، وإلاّ فما قيمة الفكر بلا تاريخ ولغة وهكذا الإثنين بدل الأوّل وإحداهما بدل البقيّة ، كما لا قيمة للتشريع بلا إجراء وتنفيذ ولا لهما بدون حكم وقضاء ، وهكذا كلّ واحد منها نسبةً إلى البقيّة.
كيف لنا العيش في حياة لا تضع نصب عينيها (مَالِ هذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا) (١) فكراً وتأريخاً ولغةً بأرفع حالات الضبط والاستيعاب والتكيّف على مستوى الخطاب والقراءة ، تشريعاً وتنفيذاً ومراقبةً ، ممّا يعني طرح مثل (مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا) (٢) على طاولة البحث والنقاش ; لإقرار التوازن المنطقي العقلاني بعد الفهم الصحيح للآية ، ولاسيّما أنّ الآية الاُولى واضحة المعنى ابتداءً.
قال الطبري في التفسير ج١٠ ص٣٦ تحقيق الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي ، طبعة دار عالم الكتب ١٤٢٤هـ ـ ٢٠٠٣م ، في معرض بيانه لآية (مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ ...) :
يقول تعالى ذكره : من وافى ربّه يوم القيامة في موقف الحساب ، من هؤلاء الذين فارقوا دينهم وكانوا شيعاً ، بالتوبة والإيمان ، والإقلاع عمّا
__________________
١. سورة الكهف : ٤٩.
٢. سورة الأنعام : ١٦٠.