أخطأت وألقى عليه أخرى فأجاب فقال له : أخطأت ـ وكان الأحمر حادّا حافظا ـ فغضب سيبويه ، فقال له الفراء إن معه عجلة. فمن قال : هؤلاء أبون ورأيت أبين ، ومررت بأبين ، في جمع الأب على قول الشّاعر :
وكان بنو فزارة شر عم |
|
وكنت لهم كشر بني الأخينا |
كيف نمثل مثاله من أويب؟ فأجابه سيبويه بجواب ، فعارضه الفراء بإدخال فيه فانتقل منه إلى جواب آخر ، فعارضه بحجة أخرى ، فغضب وقال : لا أكلمكما حتى يجيء صاحبكما ، فجاء الكسائي ، فجلس بالقرب منه ، وأنصت يحيى والناس ، فقال له الكسائي : أتسألني أو أسألك؟ فقال : لا بل سلني ، قال : كيف تقول خرجت فإذا عبد الله قائم؟ فقال سيبويه : قائم بالرفع ، فقال له الكسائي : أتجيز قائما بالنصب؟ قال لا. قال له الكسائي : فكيف تقول كنت أظن أن العقرب أشد لسعة من الزنبور ، فإذا أنا بالزنبور إياها بعينها؟ قال : لا أجيز هذا بالنصب ، ولكني أقول فإذا بالزنبور هو هي ، فقال الكسائي الرفع والنصف جائزان ، فقال سيبويه : الرفع صواب والنصب لحن فعلت أصواتهما بهذا ، فقال يحيى : أنتما عالمان ليس فوقكما أحد يستفتي ، ولم يبلغ من هذا العلم مبلغكما أحد ، نشرف به على الصواب من قولكما ، فما الذي يقطع ما بينكما؟ فقال الكسائي : العرب الفصحاء المقيمون على باب أمير المؤمنين الذين نرتضي فصاحتهم ، يحضرهم ، فنسألهم عما اختلفنا فيه ، فإن عرفوا النصب علمت أن الحق معي ، وإن لم يعرفوه علمت أن الحق معه. فأشار إلى بعض الغلمان فلم يكن إلا ساعة حتى حضر منهم خلق كثير ، فقال لهم يحيى : كيف تقولون خرجت فإذا عبد الله قائم ، فلما وقعت المسألة في أسماعهم تكلم بها بعضهم بالنصب ، وبعضهم بالرفع ، فلما كثر النصب أطرق سيبويه ، فقال الكسائي : أعز الله الوزير إنه لم يقصدك من بلده إلا راجيا فضلك ، ومؤملا معروفك. فإن رأيت أن لا تخليه مما أمل ، قال فدفعت إليه بدرة اختلف فيها الناس ، فقال بعضهم كانت من يحيى وقال آخرون كانت من الكسائي ، فقال بعض الجهال : إن الكسائي واطأ الأعراب من الليل حتى تكلموا بالذي أراده ، وهذا قول لا يعرج عليه ، لأن مثل هذا لا يخفى على الخليفة والوزير وأهل بغداد أجمعين.