نفسك منه ببعضها ، واعلم أن هذا الأمر الذي صار إليك إنما كان في يد من كان قبلك ، ثم أفضى إليك ، وكذلك يخرج منك إلى من هو بعدك ، وإني أحذرك ليلة تمخض صبيحتها عن يوم القيامة. قال : فبكى والله أشد من بكائه الأول ، حتى جف جفناه ، فقال له سليمان بن مجالد : رفقا بأمير المؤمنين قد أتعبته منذ اليوم. فقال له عمرو : بمثلك ضاع الأمر وانتشر ، لا أبا لك ، وما ذا خفت على أمير المؤمنين أن بكى من خشية الله؟! فقال له أمير المؤمنين : يا أبا عثمان أعني بأصحابك أستعن بهم ، قال : أظهر الحق يتبعك أهله ، قال : بلغني أن محمّد بن عبد الله بن حسن بن حسن ـ وقال ابن دريد إن عبد الله بن حسن ـ كتب إليك كتابا ، قال : قد جاءني كتاب يشبه أن يكون كتابه ، قال : فبم أجبته؟ قال : أوليس قد عرفت رأيي في السيف أيام كنت تختلف إلينا ، إني لا أراه ، قال : أجل لكن تحلف لي ليطمئن قلبي ، قال : لئن كذبتك تقية ، لأحلفن لك تقية. قال : والله والله أنت الصادق البر ، قد أمرت لك بعشرة آلاف درهم تستعين بها على سفرك وزمانك ، قال : لا حاجة لي فيها. قال : والله لتأخذنها ، قال : والله لا أخذتها. فقال له المهديّ : يحلف أمير المؤمنين وتحلف؟! فترك المهديّ وأقبل على المنصور فقال : من هذا الفتى؟ فقال : هذا ابني محمّد ، وهو المهديّ ولي العهد. قال : والله لقد أسميته اسما ما استحقه عمله ، وألبسته لبوسا ما هو من لبوس الأبرار ، ولقد مهدت له أمرا ما يكون به أشغل ما يكون عنه ، ثم التفت إلى المهديّ ، فقال : يا ابن أخي إذا حلف أبوك حلف عمك ، لأن أباك أقدر على الكفارة من عمك. ثم قال [المنصور] : يا أبا عثمان هل من حاجة؟ قال : نعم! قال : وما هي؟ قال : لا تبعث إلىّ حتى آتيك. قال : إذا لا نلتقي ، قال عن حاجتي سألتني قال : فاستحفظه الله وودعه ونهض ، فلما ولى أمدّه بصره وهو يقول :
كلكم يمشي رويد |
|
كلكم يطلب صيد |
غير عمرو بن عبيد |
أخبرني الصيمري ، حدّثنا محمّد بن عمران بن موسى ، أخبرني أبو ذر القراطيسي ، حدّثنا ابن أبي الدنيا ، حدّثنا أحمد بن إبراهيم ، حدّثنا أبو نعيم قال : حدثني عبد السّلام بن حرب قال : قدم أبو جعفر المنصور البصرة ، فنزل عند الجسر الأكبر ، فبعث إلى عمرو بن عبيد ، فجاءه ، فأمر له بمال ، فأبى أن يقبله ، فقال المنصور : والله لتقبلنه ، فقال لا والله لا أقبله ، فقال له المهديّ : يحلف عليك أمير المؤمنين لتقبلنه فتحلف أن لا