داره راجعا من ركوبه ، وكان في جملة حاشيته حينئذ رجل أراه يدخل الدار كثيرا وينادمه ، وكان متدرعا متعمما ، فالتفت القاسم إلى الرجل فقال له : يا أبا الحسن ، أمل الأبيات على كاتب يكتبها بخطه وهاتها ، فأملى على كاتب كتب عنده ثلاثة أبيات وهي :
ما أنس لا أنس خبازا مررت به |
|
يدحو الرقاقة وشك اللمح بالبصر |
ما بين رؤيتها في كفه كرة |
|
وبين رؤيتها قوراء كالقمر |
إلا بمقدار ما تنداح دائحة |
|
في حومة الماء يرمي فيه بالحجر |
وقال للكاتب : اكتب تنداح دائحة ، وتندار دائرة ، فسألت عنه لأعرفه فقيل لي : هذا ابن الرّوميّ.
أخبرنا أبو يعلى أحمد بن عبد الواحد الوكيل ، أخبرنا إسماعيل بن سعيد المعدّل ، حدّثنا الحسين بن القاسم الكوكبي قال : أنشدني عليّ بن العبّاس بن الرّوميّ لنفسه ـ وكتب بها إلى بعض إخوانه ، وقد قدم من سفر فتأخر عن السلام عليه :
يا من أؤمل دون كل كريم |
|
وتحب نفسي دون كل حميم |
أخرت تسليمي عليك كراهة |
|
لزحام من يلقاك للتسليم |
وذكرت قسمتك التحفي بينهم |
|
عند اللقاء كفعل كل كريم |
فنفست ذاك عليهم وأردته |
|
من دونهم وحدي بغير قسيم |
فصبرت عنك إلى انحسار غمارهم |
|
والقلب نحوك دائم التحويم |
صبر امرئ يعطي المودة حقها |
|
لا صبر مذموم الحفاظ لئيم |
والسعي نحوك بعد ذاك فريضة |
|
وقضاء حقك واجب التقديم |
فاعذر فداك الناس غير مدافع |
|
عن طيب خيمك فهو أطيب خيم |
ومتى استربت بخلة معوجة |
|
فتتبع العوجاء بالتقويم |
أخبرنا هلال بن محمّد بن جعفر الحفار ، حدّثنا أبو القاسم إسماعيل بن عليّ الخزاعيّ ـ وهو ابن أخي دعبل بن عليّ ـ قال : أنشدنا عليّ بن العبّاس بن جريج الرّوميّ لنفسه :
ومهفهف تمت محاسنه |
|
حتى تجاوز منية النفس |
ترنو الكئوس إلى مراشفه |
|
وتجول بين أنامل خمس |
فكأنه والكأس في يده |
|
قمر يقبل عارض الشمس |