يصطلحوا أو يعن لي وجه فصل ما بينهما ، قال فوقف أحدهما من خبري على أني أحب الرطب السكر ، فعمد في وقتنا ـ وهو أول أوقات الرطب ـ إلى أن جمع رطبا سكرا لا يتهيأ في وقتنا جمع مثله إلا لأمير المؤمنين ، وما رأيت أحسن منه ، ورشا بوابي جملة دراهم على أن يدخل الطبق إلى ولا يبالي أن يرد ، فلما أدخل إلى أنكرت ذلك وطردت بوابي وأمرت برد الطبق ، فرد ، فلما كان اليوم تقدم إلى مع خصمه فما تساويا في قلبي ولا في عيني ، وهذا يا أمير المؤمنين ولم أقبل فكيف يكون حالي لو قبلت ، ولا آمن أن يقع على حيلة في ديني فأهلك وقد فسد الناس فأقلني أقالك الله وأعفني ، فأعفاه.
أخبرني محمّد بن الحسين القطّان ، أخبرنا محمّد بن الحسن بن زياد المقرئ أن داود بن وسيم البوشنجي أخبرهم ببوشنج قال : أخبرنا عبد الرّحمن بن عبد الله عن عمه عبد الملك ابن قريب الأصمعي أنه قال : كنت عند الرّشيد يوما فرفع إليه في قاض كان قد استقضاه يقال له عافية ، فكبر عليه فأمر بإحضاره فأحضر ، وكان في المجلس جمع كثير فجعل أمير المؤمنين يخاطبه ، ويوقفه على ما رفع إليه وطال المجلس ، ثم إن أمير المؤمنين عطس فشمته من كان بالحضرة ممن قرب منه ، سواه فإنه لم يشمته ، فقال له الرّشيد : ما بالك لم تشمتني كما فعل القوم؟ فقال له عافية لأنك يا أمير المؤمنين لم تحمد الله ، فلذلك لم أشمتك هذا النبي صلىاللهعليهوسلم عطس عنده رجلان فشمت أحدهما ولم يشمت الآخر ، فقال : يا رسول الله مالك شمت ذلك ولم تشمتني؟ قال : «أن هذا حمد الله فشمتناه ، وأنت فلم تحمده فلم أشمتك» فقال له الرّشيد : ارجع إلى عملك أنت لم تسامح في عطسة تسامح في غيرها؟ وصرفه منصرفا جميلا ، وزبر القوم الذين كانوا رفعوا عليه.
أخبرنا القاضي أبو العلاء محمّد بن عليّ بن يعقوب ، أخبرنا عليّ بن محمّد بن إبراهيم الرياحي ـ بواسط ـ حدّثنا إبراهيم بن محمّد بن عرفة ، أخبرني أبو العبّاس المنصوري عن ابن الأعرابي قال : خاصم أبو دلامة رجلا إلى عافية ، فقال :
لقد خاصمتني غواة الرجا |
|
ل وخاصمتهم سنة وافيه |
فما أدحض الله لي حجة |
|
وما خيب الله لي قافية |
فمن كنت من جوره خائفا |
|
فلست أخافك يا عافية |