كانوا يحبسون ويعاقبون في المحال ، فنادى بذلك ، لأن الناس قد اجتمعوا على إمام ، قال فدخل أبو نعيم بغداد في ذلك الوقت ، فنظر إلى رجل من الجند قد أدخل يده بين فخذي امرأة ، فزجره أبو نعيم فتعلق الجندي بأبي نعيم ، ودفعه إلى صاحب الشرطة ، وعلى الشرطة يومئذ عياش ، وصاحب الخبر أبو عبّاد ، فكتب بخبره إلى المأمون فأمر بحمله إليه ، قال أبو نعيم : فأدخلت عليه وقد صلّى الغداة وهو يسبح بحب في شيء من فضة ، فسلمت عليه فرد السلام في خفاء ـ شبه الواجد ـ فبينا أنا قائم إذ أتى غلام بطشت وإبريق فنحاني من بين يديه ، وأجلسني حيث ينظر ، وقال لي : توضأ ، قال فأخذت الإناء وتوضأت كما حدّثنا الثوري حديث عبد خير عن عليّ ، ثم جيء بحصير ، فطرح لي ، فقمت وصليت ركعتين كما روى عن أبي اليقظان عمار بن يسار انه صلّى ركعتين فأوجز فيهما ثم صاح بي إليه فجئت ، فأمرني فجلست ، فقال لي : ما تقول في رجل مات وخلف أبويه؟ فقلت : لأمه الثلث وما بقي فلأبيه ، قال فخلف أبويه وأخاه ، فقلت : لأمه الثلث وما بقي فلأبيه وسقط أخوه ، قال : فخلف أبويه وأخوين ، فقلت : لأمه السدس وما بقي فلأبيه ، فقال لي : في قول الناس كلهم؟ فقلت : لا ، في قول الناس كلهم إلا في قول جدك ، فإنه ما حجبها عن الثلث إلا بثلاث أخوة ، فقال لي : يا هذا من نهى مثلك أن يأمر بالمعروف! إنما نهينا أقواما يجعلون المعروف منكرا ، قال : فقلت : فليكن في ندائك لا يأمر بالمعروف إلا من أحسن أن يأمر به ، فقال لي انصرف ـ أو كما قال ـ.
حدثت عن محمّد بن عبد الله بن المطلب الكوفيّ ، حدّثنا عليّ بن محمّد بن صغدان المعدّل ـ بالأنبار ـ حدثني أحمد بن ميثم بن أبي نعيم قال : قدم جدي أبو نعيم الفضل بن دكين بغداد ونحن معه ، فنزل الرملية ، ونصب له كرسي عظيم ، فجلس عليه ليحدث ، فقام إليه رجل ظننته من أهل خراسان فقال : يا أبا نعيم أتتشيع؟ فكره الشيخ مقالته وصرف وجهه وتمثل بقول مطيع بن إياس :
وما زال بي حبيك حتى كأنني |
|
برجع جواب السائلي عنك أعجم |
لأسلم من قول الوشاة وتسلمي |
|
سلمت وهل حي على الناس يسلم؟ |
فلم يفقه الرجل مراده. فعاد سائلا فقال : يا أبا نعيم أتتشيع؟ فقال الشيخ : يا هذا كيف بليت بك ، وأي ريح هبت إلىّ بك؟
سمعت الحسن بن صالح يقول : سمعت جعفر بن محمّد يقول : حب على عبادة ، وأفضل العبادة ما كتم.