ما يأتي : الظاهر والله تعالى أعلم أن الآية (يعني آية سورة المائدة) نزلت إعلاما بالحكم في بني إسرائيل تأنيسا وتمهيدا لحكم الشريعة الإسلامية ، ولذلك تضمنت إناطة الحكم بلفظ النفس المتناول للذكر والأنثى الحر والعبد الصغير والكبير ، ولم تتضمن حكما للعبيد ولا للإناث ، وصدرت بقوله (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها) [المائدة : ٤٥] ، والآية الثانية (يعني آية سورة البقرة) صدرت بقوله : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ) وناط الحكم فيها بالحرية المتناولة للأصناف كلها ثم ذكر حكم العبيد والأناث ردا على من يزعم أنه لا يقتص لهم ، وخصص الأنثى بالأنثى للدلالة على أن عدمها معصوم ، وذلك لأنه إذا اقتص لها من الأنثى ولم يقتص لها من الذكر صار الدم معصوما تارة لذاته غير معصوم أخرى وهذا من لطف التبليغ حيث كان الحكم متضمنا لدليله ، فقوله :
كتب القتل والقتال علينا |
|
وعلى الغانيات جر الذيول |
حكم جاهلي ا ه.
يعني أن الآية لم يقصد منها إلّا إبطال ما كان عليه أمر الجاهلية من ترك القصاص لشرف أو لقلة اكتراث ، فقصدت التسوية بقوله (الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ) أي لا فضل لحر شريف على حر ضعيف ولا لعبيد السادة على عبيد العامة وقصدت من ذكر الأنثى إبطال ما كان عليه الجاهلية من عدم الاعتداد بجناية الأنثى واعتبارها غير مؤاخذة بجناياتها ، وأراد بقوله : حكم جاهلي أنه ليس جاريا على أحكام الإسلام ؛ لأن البيت لعمر ابن أبي ربيعة وهو شاعر إسلامي من صدر الدولة الأموية.
فإن قلت : كان الوجه ألا يقول : (بِالْأُنْثى) المشعر بأن الأنثى لا تقتل بالرجل مع إجماع المسلمين على أن المرأة يقتص منها للرجل. قلت : الظاهر أن القيد خرج مخرج الغالب ، فإن الجاري في العرف أن الأنثى لا تقتل إلّا أنثى ، إذ لا يتثاور الرجال والنساء فذكر (بِالْأُنْثى) خارج على اعتبار الغالب كمخرج وصف السائمة في قول النبيصلىاللهعليهوسلم «في الغنم السائمة الزكاة» والخلاصة أن الآية لا يلتئم منها معنى سليم من الإشكال إلّا معنى إرادة التسوية بين الأصناف لقصد إبطال عوائد الجاهلية.
وإذا تقرر أن الآية لا دلالة لها على نفي القصاص بين الأصناف المختلفة ولا على إثباته من جهة ما ورد على كل تأويل غير ذلك من انتقاض بجهة أخرى ، فتعين أن قوله:(الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى) محمله الذي لا شك فيه هو مساواة أفراد كل صنف بعضها مع بعض دون تفاضل بين الأفراد ، ثم أدلة العلماء في تسوية القصاص بين