وتعويض وصف بوصف كقول أبي الشيص :
بدّلت من برد الشباب ملاءة |
|
خلقا وبئس مثوبة المقتاض |
فإنه أراد تبدل حالة الشباب بحالة الشيب ، وكقول النابغة :
عهدت بها حيّا كراما فبدّلت |
|
حناظيل آجال النّعاج الجوافل |
وليس قوله : (نِعْمَةَ اللهِ) من قبيل وضع الظاهر موضع الضمير بأن يكون الأصل ومن يبدلها أي الآيات فإن الله شديد العقاب لظهور أن في لفظ (نعمة الله) معنى جامعا للآيات وغيرها من النعم.
وقوله : (مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ) المجيء فيه كناية عن الوضوح والمشاهدة والتمكن ، لأنها من لوازم المجيء عرفا.
وإنما جعل العقاب مترتبا على التبديل الواقع بعد هذا التمكن للدلالة على أنه تبديل عن بصيرة لا عن جهل أو غلط كقوله تعالى فيما تقدم : (ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [البقرة : ٧٥]. وحذف ما بدل به النعمة ليشمل جميع أحوال التبديل من كتم بعضها والإعراض عن بعض وسوء التأويل. والعقاب ناشئ عن تبديل تلك النعم في أوصافها أو في ذواتها ، ولا يكون تبديلها إلّا لقصد مخالفتها ، وإلّا لكان غير تبديل بل تأييدا وتأويلا ، بخلاف قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً) [إبراهيم : ٢٨] لأن تلك الآية لم يتقدم فيها ما يؤذن بأن النعمة ما هي ولا تؤذن بالمستبدل به هنالك فتعين التصريح بالمستبدل به ، والمبدلون في تلك الآية غير المراد من المبدلين في هذه ، لأن تلك في كفار قريش بدليل قوله بعدها : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً) [إبراهيم : ٣٠].
وقوله : (فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) دليل جواب الشرط وهو علته ، لأن جعل هذا الحكم العام جوابا للشرط يعلم منه أن من ثبت له فعل الشرط يدخل في عموم هذا الجواب ، فكون الله شديد العقاب أمر محقق معلوم فذكره لم يقصد منه الفائدة لأنها معلومة بل التهديد ، فعلم أن المقصود تهديد المبدّل فدل على معنى : فالله يعاقبه ، لأن الله شديد العقاب ، ومعنى شدة عقابه : أنه لا يفلت الجاني وذلك لأنه القادر على العقاب ، وقد جوّز أن يكون فإن الله شديد العقاب نفس جواب الشرط بجعل أل في العقاب عوضا عن الضمير المضاف إليه أي شديد معاقبته.
وإظهار اسم الجلالة هنا مع أن مقتضى الظاهر أن يقال : فإنه شديد العقاب ، لإدخال