صاحب «الكشاف» : كتبت كذلك على لغة من يفخّم أي ينحو بالألف منحى الواو ، والتفخيم عكس الإمالة ، وهذا بعيد ؛ إذ ليس التفخيم لغة قريش حتى يكتب بها المصحف. وقال المبرّد : كتب كذلك للفرق بين الربا والزنا ، وهو أبعد لأنّ سياق الكلام لا يترك اشتباها بينهما من جهة المعنى إلّا في قوله تعالى : (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى) [الإسراء : ٣٢]. وقال الفراء : إنّ العرب تعلّموا الخطّ من أهل الحيرة وهم نبط يقولون في الربا : ربو ـ بواو ساكنة ـ فكتبت كذلك ، وهذا أبعد من الجميع.
والذي عندي أنّ الصحابة كتبوه بالواو ليشيروا إلى أصله كما كتبوا الألفات المنقلبة عن الياء في أواسط الكلمات بياءات عليها ألفات ، وكأنّهم أرادوا في ابتداء الأمر أن يجعلوا الرسم مشيرا إلى أصول الكلمات ثم استعجلوا فلم يطّرد في رسمهم ، ولذلك كتبوا الزكاة بالواو ، وكتبوا الصلاة بالواو تنبيها على أنّ أصلها هو الركوع من تحريك الصّلوين لا من الاصطلاء. وقال صاحب «الكشاف» : وكتبوا بعدها ألفا تشبيها بواو الجمع. وعندي أنّ هذا لا معنى للتعليل به ، بل إنّما كتبوا الألف بعدها عوضا عن أن يضعوا الألف فوق الواو ، كما وضعوا المنقلب عن ياء ألفا فوق الياء لئلّا يقرأها الناس الربو.
وأريد بالذين يأكلون الربا هنا من كان على دين الجاهلية ؛ لأن هذا الوعيد والتشنيع لا يناسب إلّا التوجّه إليهم لأنّ ذلك من جملة أحوال كفرهم وهم لا يرعوون عنها ما داموا على كفرهم. أما المسلمون فسبق لهم تشريع بتحريم الربا بقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً) في سورة آل عمران [١٣٠] ، وهم لا يقولون إنّما البيع مثل الربا ، فجعل الله هذا الوعيد من جملة أصناف العذاب خاصا للكافرين لأجل ما تفرّع عن كفرهم من وضع الربا.
وتقدم ذلك كلّه إنكار القرآن على أهل الجاهلية إعطاءهم الربا ، وهو من أول ما نعاه القرآن عليهم في مكة ، فقد جاء في سورة الروم [٣٩] : (وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ) وهو خطاب للمشركين لأنّ السورة مكية ولأنّ بعد الآية قوله : (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ).
ومن عادات القرآن أن يذكر أحوال الكفّار إغلاظا عليهم ، وتعريضا بتخويف المسلمين ، ليكرّه إياهم لأحوال أهل الكفر. وقد قال ابن عباس : كلّ ما جاء في القرآن من ذمّ أحوال الكفار فمراد منه أيضا تحذير المسلمين من مثله في الإسلام ، ولذلك قال