رسول الله ينهى عن بيع الذهب بالذهب والفضّة بالفضّة إلّا سواء بسواء عينا بعين ، من زاد وازداد فقد أربى» فبلغ ذلك معاوية فقام خطيبا فقال : «ألا ما بال أقوام يتحدّثون عن رسول الله أحاديث قد كنّا نشهده ونصحبه فلم نسمعها منه» فقال عبادة بن الصامت : «لنحدّثن بما سمعنا من رسول الله وإن كره معاوية».
والظاهر أنّ الآية لم يقصد منها إلّا ربا الجاهلية ، وأنّ ما عداه من المعاملات الباطلة التي فيها أكل مال بالباطل مندرجة في أدلة أخرى.
وقوله : (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى) الآية تفريع على الوعيد في قوله : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا).
والمجيء بمعنى العلم والبلاغ ، أي من علم هذا الوعيد ، وهذا عذر لمن استرسل على معاملة الربا قبل بلوغ التحريم إليه ، فالمراد بالموعظة هذه الآية وآية آل عمران.
والانتهاء مطاوع نهاه إذا صدّه عمّا لا يليق ، وكأنّه مشتق من النّهى ـ بضم النون ـ وهو العقل. ومعنى «فله ما سلف» ، أي ما سلف قبضه من مال الربا لا ما سلف عقده ولم يقبض ، بقرينة قوله ـ الآتي ـ (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ) [البقرة : ٢٧٩].
وقوله : (وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ) فرضوا فيه احتمالات يرجع بعضها إلى رجوع الضمير إلى «من جاءه» وبعضها إلى رجوعه إلى ما سلف ، والأظهر أنّه راجع إلى من جاءه لأنّه المقصود ، وأنّ معنى (وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ) أنّ أمر جزائه على الانتهاء موكول إلى الله تعالى ، وهذا من الإيهام المقصود منه التفخيم. فالمقصود الوعد بقرينة مقابلته بالوعيد في قوله :(وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ).
وجعل العائد خالدا في النار إما لأنّ المراد العود إلى قوله : (إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا) ، أي عاد إلى استحلال الربا وذلك نفاق ؛ فإنّ كثيرا منهم قد شقّ عليهم ترك التعامل بالربا ، فعلم الله منهم ذلك وجعل عدم إقلاعهم عنه أمارة على كذب إيمانهم ، فالخلود على حقيقته. وإما لأنّ المراد العود إلى المعاملة بالربا ، وهو الظاهر من مقابلته بقوله : (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى) والخلود طول المكث كقول لبيد :
فوقفت أسألها وكيف سؤالنا |
|
صمّا خوالد ما يبين كلامها |
ومنه : خلّد الله ملك فلان.
وتمسك بظاهر هاته الآية ونحوها الخوارج القائلون بتكفير مرتكب الكبيرة كما