والسكوت عند طلب العفو يأسا من الاستجابة.
وجملة (فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ) معطوفة على جملة (أَخَذْناهُمْ) ، أي فأخذناهم أخذ الاستئصال. فلم يبق فيهم أحدا.
والدابر اسم فاعل من دبره من باب كتب ، إذا مشى من ورائه. والمصدر الدبور ـ بضم الدال ـ ، ودابر الناس آخرهم ، وذلك مشتقّ من الدبر ، وهو الوراء ، قال تعالى : (وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ) [الحجر : ٦٥]. وقطع الدابر كناية عن ذهاب الجميع لأنّ المستأصل يبدأ بما يليه ويذهب يستأصل إلى أن يبلغ آخره وهو دابره ، وهذا ممّا جرى مجرى المثل ، وقد تكرّر في القرآن ، كقوله : (أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ) [الحجر : ٦٦].
والمراد بالذين ظلموا المشركون ، فإنّ الشرك أعظم الظلم ، لأنّه اعتداء على حقّ الله تعالى على عباده في أن يعترفوا له بالربوبية وحده ، وأنّ الشرك يستتبع مظالم عدّة لأنّ أصحاب الشرك لا يؤمنون بشرع يزع الناس عن الظلم.
وجملة : (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) يجوز أن تكون معطوفة على جملة : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ) بما اتّصل بها. عطف غرض على غرض. ويجوز أن تكون اعتراضا تذييليا فتكون الواو اعتراضية. وأيّا ما كان موقعها ففي المراد منها اعتبارات ثلاثة :
أحدها : أن تكون تلقينا للرسول صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين أن يحمدوا الله على نصره رسله وأولياءهم وإهلاك الظالمين ، لأنّ ذلك النصر نعمة بإزالة فساد كان في الأرض ، ولأنّ في تذكير الله الناس به إيماء إلى ترقّب الإسوة بما حصل لمن قبلهم أن يترقّبوا نصر الله كما نصر المؤمنين من قبلهم ؛ فيكون (الْحَمْدُ لِلَّهِ) مصدرا بدلا من فعله ، عدل عن نصبه وتنكيره إلى رفعه وتعريفه للدلالة على معنى الدوام والثبات ، كما تقدّم في قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) في سورة الفاتحة [٢].
ثانيها : أن يكون (الْحَمْدُ لِلَّهِ) كناية عن كون ما ذكر قبله نعمة من نعم الله تعالى لأنّ من لوازم الحمد أن يكون على نعمة ، فكأنّه قيل : فقطع دابر القوم الذين ظلموا. وتلك نعمة من نعم الله تقتضي حمده.
ثالثها : أن يكون إنشاء حمد لله تعالى من قبل جلاله مستعملا في التعجيب من معاملة الله تعالى إيّاهم وتدريجهم في درجات الإمهال إلى أن حقّ عليهم العذاب.