والاقتصار على نفي ادّعاء هذه الثلاثة المذكورة في الآية ناظر إلى ما تقدّم ذكره من الآيات التي سألوها من قوله تعالى : (وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ) [الأنعام : ٨] وقوله : (وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ) [الأنعام : ٧] وقوله : (فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ) [الأنعام : ٣٥] الآية.
وافتتح الكلام بنفي القول ليدلّ على أنّ هذا القول لم يقترن بدعوى الرسالة فلا وجه لاقتراح تلك الأمور المنفي قولها على الرسول لأنّ المعجزة من شأنها أن تجيء على وفق دعوى الرسالة.
واللام في (لَكُمْ) لام التبليغ ، وهي مفيدة تقوية فعل القول عند ما لا تكون حاجة لذكر المواجه بالقول كما هنا لظهور أنّ المواجه بالقول هم المكذّبون ، ولذلك ورد قوله تعالى : (وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ) [هود : ٣١] مجرّدا عن لام التبليغ. فإذا كان الغرض ذكر المواجه بالقول فاللام حينئذ تسمّى لام تعدية فعل القول فالذي اقتضى اجتلاب هذه اللام هنا هو هذا القول بحيث لو قاله قائل لكان جديرا بلام التبليغ.
والخزائن جمع خزانة ـ بكسر الخاء ـ وهي البيت أو الصندوق الذي يحتوي ما تتوق إليه النفوس وما ينفع عند الشدّة والحاجة. والمعنى أنّى ليس لي تصرّف مع الله ولا أدّعي أني خازن معلومات الله وأرزاقه.
و (خَزائِنُ اللهِ) مستعارة لتعلّق قدرة الله بالإنعام وإعطاء الخيرات النافعة للناس في الدنيا. شبّهت تلك التعلّقات الصّلوحية والتنجيزية في حجبها عن عيون الناس وتناولهم مع نفعها إيّاهم ، بخزائن أهل اليسار والثروة التي تجمع الأموال والأحبية والخلع والطعام ، كما أطلق عليها ذلك في قوله تعالى : (وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [المنافقون : ٧] ، أي ما هو مودع في العوالم العليا والسفلى ممّا ينفع الناس ، وكذلك قوله : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ) [الحجر : ٢١].
وتقديم المسند وهو قوله (عِنْدِي) للاهتمام به لما فيه من الغرابة والبشارة للمخبرين به لو كان يقوله.
وقوله : (وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ) عطف على (عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ) فهو في حيّز القول المنفي. وأعيد حرف النفي على طريقة عطف المنفيات بعضها على بعض فإنّ الغالب أن يعاد معها حرف النفي للتنصيص على أنّ تلك المتعاطفات جميعها مقصودة بالنفي بآحادها