يعني إذا قمتم عنهم فما عليكم تبعة ما يقولون في حال مجانبتكم إيّاهم إذ ليس عليكم جرى ذلك وما عليهم أن يمنعوهم.
وقوله : (وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) تقدّم تفسير نظيره آنفا ، وهو قوله : (ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) [الأنعام : ٦٨].
ثمّ الحساب هنا مصدر مضاف إلى ضمير الذين يخوضون في الآيات. فهذا المصدر بمنزلة الفعل المبني للمجهول فيحتمل أن يكون فاعله (الَّذِينَ يَتَّقُونَ) على وزان ما تقدّم في قوله : (ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) [الأنعام : ٥٢] ، أي ما على الذين يتّقون أن يحاسبوا الخائضين ، أي أن يمنعوهم من الخوض إذ لم يكلّفهم الله بذلك لأنّهم لا يستطيعون زجر المشركين ، ويحتمل أن يكون فاعله الله تعالى كقوله : (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ) [الغاشية : ٢٦] أي ما على الذين يتّقون تبعة حساب المشركين ، أي ما عليهم نصيب من إثم ذلك الخوض إذا سمعوه.
وقوله : (وَلكِنْ ذِكْرى) عطفت الواو الاستدراك على النفي ، أي ما عليهم شيء من حسابهم ولكن عليهم الذكرى. والذكرى اسم مصدر ذكّر ـ بالتشديد ـ بمعنى وعظ ، كقوله تعالى : (تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) [ق : ٨] ، أي عليهم إن سمعوهم يستهزءون أن يعظوهم ويخوّفوهم غضب الله فيجوز أن يكون (ذِكْرى) منصوبا على المفعول المطلق الآتي بدلا من فعله. والتقدير : ولكن يذكّرونهم ذكرى. ويجوز أن يكون ذكرى مرفوعا على الابتداء ، والتقدير : ولكن عليهم ذكرى.
وضمير (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) عائد إلى ما عاد إليه ضمير (حِسابِهِمْ) أي لعلّ الذين يخوضون في الآيات يتّقون ، أي يتركون الخوض. وعلى هذا فالتقوى مستعملة في معناها اللغوي دون الشرعي. ويجوز أن يكون الضمير عائدا إلى (الَّذِينَ يَتَّقُونَ) ، أي ولكن عليهم الذكرى لعلّهم يتّقون بتحصيل واجب النهي عن المنكر أو لعلّهم يستمرّون على تقواهم.
وعن الكسائي : المعنى ولكن هذه ذكرى ، أي قوله : (وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [الأنعام : ٦٨] تذكرة لك وليست مؤاخذة بالنسيان ، إذ ليس على المتّقين تبعة سماع استهزاء المستهزئين ولكنّا ذكّرناهم بالإعراض عنهم لعلّهم يتّقون سماعهم.