مفطورة لله تعالى.
وفعل (وجّه) يتعدّى إلى المكان المقصود بإلى ، وقد يتعدّى باللام إذا أريد أنّه انصرف لأجل ذلك الشيء ، فيحسن ذلك إذا كان الشيء المقصود مراعى إرضاؤه وطاعته كما تقول : توجّهت للحبيب ، ولذلك اختير تعدّيه هنا باللام ، لأنّ في هذا التوجّه إرضاء وطاعة.
وفطر : خلق ، وأصل الفطر الشقّ. يقال فطر فطورا إذا شقّ قال تعالى (فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ) [الملك : ٣] أي اختلال ، شبّه الخلق بصناعة الجلد ونحوه ، فإنّ الصانع يشقّ الشيء قبل أن يصنعه ، وهذا كما يقال : الفتق والفلق ، فأطلق الفطر على إيجاد الشيء وإبداعه على هيئة تؤهّل للفعل.
و (حَنِيفاً) حال من ضمير المتكلّم في (وَجَّهْتُ). وتقدّم بيان ذلك عند قوله تعالى : (قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) في سورة البقرة [١٣٥].
وجملة : (وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) عطف على الحال ، نفى عن نفسه أن يكون متّصلا بالمشركين وفي عدادهم.
فلما تبرّأ من أصنامهم تبرّأ من القوم ، وقد جمعهما أيضا في سورة الممتحنة [٤] إذ قال (إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ).
وأفادت جملة (وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) تأكيدا لجملة (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً) ، وإنّما عطفت لأنّها قصد منها التبرّي من أن يكون من المشركين.
وهذا قد جرينا فيه على أنّ قول إبراهيم لمّا رأى النيّرات (هذا رَبِّي) هو مناظرة لقومه واستدراج لهم ، وأنّه كان موقنا بنفي إلهيتها ، وهو المناسب لصفة النبوءة أن يكون أوحى إليه ببطلان الإشراك وبالحجج التي احتجّ بها على قومه. ومن المفسّرين من قال : إنّ كلامه ذلك كان نظرا واستدلالا في نفسه لقوله : (لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي) ، فإنّه يشعر بأنّه في ضلال لأنّه طلب هداية بصيغة الاستقبال أي لأجل أداة الشرط ، وليس هذا بمتعيّن لأنّه قد يقوله لتنبيه قومه إلى أنّ لهم ربّا بيده الهداية ، كما بيّنّاه في موضعه ، فيكون كلامه مستعملا في التعريض. على أنّه قد يكون أيضا مرادا به الدوام على الهداية والزيادة فيها ، على أنّه قد يكون أراد الهداية إلى إقامة الحجّة حتّى لا يتغلّب عليه قومه.