فأمّا رسالة هود وصالح وشعيب فقد تكرّر ذكرها في آيات كثيرة.
وأمّا معرفة نبوءة ذي الكفل ففيها نظر إذ لم يصرّح في سورة الأنبياء بأكثر من كونه من الصّابرين والصّالحين. واختلف المفسّرون في عدّه من الأنبياء ، ونسب إلى الجمهور القول بأنّه نبيء. وعن أبي موسى الأشعري ومجاهد : أنّ ذا الكفل لم يكن نبيئا. وسيأتي ذكر ذلك في سورة الأنبياء.
وأمّا آدم فإنّه نبيء منذ كونه في الجنّة فقد كلّمه الله غير مرّة. وقال (ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى) [طه : ١٢٢] فهو قد أهبط إلى الأرض مشرّفا بصفة النّبوءة. وقصّة ابني آدم في سورة المائدة دالّة على أنّ آدم بلّغ لأبنائه شرعا لقوله تعالى فيها (إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ) [المائدة : ٢٧ ـ ٢٩].
فالّذي نعتمده أنّ الّذي ينكر نبوءة معيّن ممّن سمّي في القرآن في عداد الأنبياء في سورة النّساء وسورة هود وسورة الأنعام وسورة مريم ، وكان المنكر محقّقا علمه بالآية الّتي وصف فيها بأنّه نبيء ووقف على دليل صحّة ما أنكره وروجع فصمّم على إنكاره ، إنّ ذلك الإنكار يكون كفرا لأنّه أنكر معلوما بالضّرورة بعد التّنبيه عليه لئلّا يعتذر بجهل أو تأويل مقبول.
واعلم أنّي تطلّبت كشف القناع عن وجه الاقتصار على تسمية هؤلاء الأنبياء من بين سائر الأنبياء من ذرّيّة إبراهيم أو ذرّيّة نوح ، (على الوجهين في معاد ضمير (ذُرِّيَّتِهِ)). فلم يتّضح لي وتطلّبت وجه ترتيب أسمائهم هذا التّرتيب ، وموالاة بعض هذه الأسماء لبعض في العطف فلم يبد لي ، وغالب ظنّي أنّ من هذه الوجوه كون هؤلاء معروفون لأهل الكتاب وللمشركين الّذين يقتبسون معرفة الأنبياء من أهل الكتاب ، وأنّ المناسبة في ترتيبهم لا تخلو من أن تكون ناشئة عن الابتداء بذكر أنّ إسحاق ويعقوب موهبة لإبراهيم وهما أب وابنه ، فنشأ الانتقال من واحد إلى آخر بمناسبة للانتقال ، وأنّ توزيع أسمائهم على فواصل ثلاث لا يخلو عن مناسبة تجمع بين أصحاب تلك الأسماء في الفاصلة الشّاملة لأسمائهم. ويجوز أنّ خفّة أسماء هؤلاء في تعريبها إلى العربيّة حروفا ووزنا لها أثر في إيثارها بالذّكر دون غيرها من الأسماء نحو (شمعون وشمويل وحزقيال ونحميا) ، وأنّ المعدودين في هذه الآيات الثّلاث توزّعوا الفضائل إذ منهم الرّسل والأنبياء والملوك وأهل