حال الوقف. وقد أثبتها جمهور القرّاء في الوصل ، وذلك من إجراء الوصل مجرى الوقف وهو وارد في الكلام الفصيح. والأحسن للقارئ أن يقف عليها جريا على الأفصح ، فجمهور القرّاء أثبتوها ساكنة ما عدا رواية هشام عن ابن عامر فقد حرّكها بالكسر ، ووجّه أبو عليّ الفارسي هذه القراءة بأنّها تجعل الهاء ضمير مصدر «اقتد» ، أي اقتد الاقتداء ، وليست هاء السكت ، فهي كالهاء في قوله تعالى : (عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) [المائدة : ١١٥] أي لا أعذّب ذلك العذاب أحدا. وقرأ حمزة ، والكسائي ، وخلف ، بحذف الهاء في حالة الوصل على القياس الغالب.
(قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرى لِلْعالَمِينَ).
استئناف عقّب به ذلك البيان العظيم الجامع لأحوال كثير من الأمم. والإيماء إلى نبوءة جمع من الأنبياء والصّالحين ، وبيان طريقة الجدل في تأييد الدّين ، وأنّه ما جاء إلّا كما جاءت ملل تلك الرّسل ، فلذلك ذيّله الله بأمر رسوله أن يذكّر قومه بأنّه يذكّرهم. كما ذكّرت الرّسل أقوامهم ، وأنّه ما جاء إلّا بالنّصح لهم كما جاءت الرّسل. وافتتح الكلام بفعل (قُلْ) للتّنبيه على أهميّته كما تقدّم في هذه السّورة غير مرّة. وقدّم ذلك بقوله : (لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً) أي لست طالب نفع لنفسي على إبلاغ القرآن ، ليكون ذلك تنبيها للاستدلال على صدقه لأنّه لو كان يريد لنفسه نفعا لصانعهم ووافقهم. قال في «الكشاف» في سورة هود [٥١] عند قوله تعالى حكاية من هود (يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ). ما من رسول إلّا واجه قومه بهذا القول لأنّ شأنهم النّصيحة والنّصيحة لا يمحّصها ولا يمحّضها إلّا حسم المطامع وما دام يتوهّم شيء منها لم تنفع ولم تنجع ا ه.
قلت : وحكى الله عن نوح مثل هذا في قوله في سورة هود [٢٩] (وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالاً إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ). وقال لرسوله أيضا في سورة الشّورى [٢٣] (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى). فليس المقصود من قوله : (لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً) ردّ اعتقاد معتقد أو نفي تهمة قيلت ولكن المقصود به الاعتبار ولفت النّظر إلى محض نصح الرّسول صلىاللهعليهوسلم في رسالته وأنّها لنفع النّاس لا يجرّ منها نفعا إلى نفسه.
والضمير في قوله : (عَلَيْهِ) وقوله : (إِنْ هُوَ) راجع إلى معروف في الأذهان ؛ فإنّ معرفة المقصود من الضمير مغنية عن ذكر المعاد مثل قوله تعالى : (حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ) [ص : ٣٢] ، وكما في حديث عمر في خبر إيلاء النّبيء صلىاللهعليهوسلم : «فنزل صاحبي