أحكاما لنا ، لأنّ الله أبلغها إلينا. والحجّة على ذلك ما ثبت في الصحاح من أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم في قضية الرّبيع بنت النضر حين كسرت ثنيّة جارية عمدا أن تكسر ثنيّتها فراجعته أمّها وقالت : والله لا تكسر ثنيّة الرّبيع فقال لها رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «كتاب الله القصاص» ، وليس في كتاب الله حكم القصاص في السنّ إلّا ما حكاه عن شرع التّوراة بقوله (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ـ إلى قوله ـ وَالسِّنَّ بِالسِّنِ) [المائدة : ٤٥]. وما
في «الموطأ» أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : من نسي الصلاة فليصلّها إذا ذكرها فإنّ الله تعالى يقول في كتابه : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) [طه : ١٤] وإنّما قاله الله حكاية عن خطابه لموسى ـ عليهالسلام ـ ، وبظاهر هذه الآية لأنّ الهدى مصدر مضاف فظاهره العموم ، ولا يسلّم كون السياق مخصّصا له كما ذهب إليه الغزالي. ونقل علماء المالكية عن أصحاب أبي حنيفة مثل هذا. وكذلك نقل عنهم ابن حزم في كتابه «الإعراب في الحيرة والالتباس الواقعين في مذاهب أهل الرأي والقياس» (١). وفي «توضيح» صدر الشريعة حكايته عن جماعة من أصحابهم ولم يعيّنه. ونقله القرطبي عن كثير من أصحاب الشافعي. وهو منقول في كتب الحنفيّة عن عامّة أصحاب الشّافعي.
المذهب الثّاني : ذهب أكثر الشّافعيّة والظاهرية : أنّ شرع من قبلنا ليس شرعا لنا. واحتجّوا بقوله تعالى : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) [المائدة : ٤٨]. ونسب القرطبي هذا القول للكثير من أصحاب مالك وأصحاب الشّافعي. وفي «توضيح» صدر الشّريعة نسبة مثل هذا القول لجماعة من أصحابهم.
الثالث : إنّما يلزم الاقتداء بشرع إبراهيم ـ عليهالسلام ـ لقوله تعالى : (ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) [النحل : ١٢٣]. ولم أقف على تعيين من نسب إليه هذا القول.
الرّابع : لا يلزم إلّا اتّباع شريعة عيسى لأنّها آخر الشّرائع نسخت ما قبلها. ولم أقف على تعيين صاحب هذا القول. قال ابن رشد في «المقدّمات» : وهذا أضعف الأقوال.
والهاء في قوله : (اقْتَدِهْ) ساكنة عند جمهور القرّاء ، فهي هاء السكت الّتي تجلب عند الوقف على الفعل المعتلّ اللّام إذا حذفت لامه للجازم ، وهي تثبت في الوقف وتحذف في الوصل ، وقد ثبتت في المصحف لأنّهم كانوا يكتبون أواخر الكلم على مراعاة
__________________
(١) مخطوط في مكتبتنا.