الْكَذِبَ) في سورة العقود [١٠٣].
(وَمَنْ) موصولة مراد به الجنس ، أي كلّ من افترى أو قال ، وليس المراد فردا معيّنا ، فالّذين افتروا على الله كذبا هم المشركون لأنهم حلّلوا وحرّموا بهواهم وزعموا أنّ الله أمرهم بذلك ، وأثبتوا لله شفعاء عنده كذبا.
و (أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَ) عطف على صلة (مَنْ) ، أي كلّ من ادّعى النّبوءة كذبا ، ولم يزل الرّسل يحذّرون النّاس من الّذين يدّعون النّبوءة كذبا كما قدّمته. روي أنّ المقصود بهذا مسيلمة متنبّئ أهل اليمامة ، قاله ابن عبّاس وقتادة وعكرمة. وهذا يقتضي أن يكون مسيلمة قد ادّعى النّبوءة قبل هجرة النّبيء صلىاللهعليهوسلم إلى المدينة لأنّ السّورة مكّية. والصّواب أنّ مسيلمة لم يدع النّبوءة إلّا بعد أن وفد على النّبيء صلىاللهعليهوسلم في قومه بني حنيفة بالمدينة سنة تسع طامعا في أن يجعل له رسول الله صلىاللهعليهوسلم الأمر بعده فلمّا رجع خائبا ادّعى النّبوءة في قومه.
وفي «تفسير» ابن عطيّة أنّ المراد بهذه الآية مع مسيلمة الأسود العنسي المتنبّئ بصنعاء. وهذا لم يقله غير ابن عطيّة. وإنّما ذكر الطّبري الأسود تنظيرا مع مسيلمة فإنّ الأسود العنسي ما ادّعى النّبوءة إلّا في آخر حياة رسول الله صلىاللهعليهوسلم. والوجه أنّ المقصود العموم ولا يضرّه انحصار ذلك في فرد أو فردين في وقت ما وانطباق الآية عليه.
وأمّا (مَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ) ، فقال الواحدي في «أسباب النّزول» ، عن ابن عبّاس وعكرمة : أنّها نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري وكان قد أسلم بمكّة ، وكان يكتب الوحي للنّبي صلىاللهعليهوسلم ، ثمّ ارتدّ وقال : أنا أقول مثل ما أنزل الله ، استهزاء ، وهذا أيضا لا ينثلج له الصّدر لأنّ عبد الله بن أبي سرح ارتدّ بعد الهجرة ولحق بمكّة وهذه السّورة مكّية. وذكر القرطبي عن عكرمة ، وابن عطيّة عن الزّهراوي والمهدوي أنّها : نزلت في النضر بن الحارث كان يقول : أنا أعارض القرآن. وحفظوا له أقوالا ، وذلك على سبيل الاستهزاء. وقد رووا أنّ أحدا من المشركين قال : إنّما هو قول شاعر وإنّي سأنزل مثله ؛ وكان هذا قد تكرّر من المشركين كما أشار إليه القرآن ، فالوجه أنّ المراد بالموصول العموم ليشمل كلّ من صدر منه هذا القول ومن يتابعهم عليه في المستقبل.
وقولهم : (مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ) إمّا أن يكونوا قالوا هذه العبارة سخرية كما قالوا : (يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) [الحجر : ٦] ، وإمّا أن يكون حكاية من الله تعالى بالمعنى ، أي قال سأنزل مثل هذا الكلام ، فعبّر الله عنه بقوله : (ما أَنْزَلَ اللهُ) كقوله :