عن المستقبل القريب ، مثل : قد قامت الصّلاة ، فإنّهم حينئذ قاربوا أن يرجعوا إلى محض تصرّف الله فيهم.
وإن كان القول المقدّر قول الملائكة فجملة : (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى) عطف على جملة : (وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ) [الأنعام : ٩٣] فانتقل الكلام من خطاب المعتبرين بحال الظّالمين إلى خطاب الظّالمين أنفسهم بوعيدهم بما سيقول لهم يومئذ.
فعلى الوجه الأوّل يكون (جِئْتُمُونا) حقيقة في الماضي لأنّهم حينما يقال لهم هذا القول قد حصل منهم المجيء بين يدي الله. و (قد) للتّحقيق.
وعلى الوجه الثّاني يكون الماضي معبّرا به عن المستقبل تنبيها على تحقيق وقوعه ، وتكون (قد) ترشيحا للاستعارة.
وإخبارهم بأنّهم جاءوا ليس المراد به ظاهر الإخبار لأنّ مجيئهم معلوم لهم ولكنّه مستعمل في تخطئتهم وتوقيفهم على صدق ما كانوا ينذرون به على لسان الرّسول فينكرونه وهو الرّجوع إلى الحياة بعد الموت للحساب بين يدي الله. وقد يقصد مع هذا المعنى معنى الحصول في المكنة والمصير إلى ما كانوا يحسبون أنّهم لا يصيرون إليه ، على نحو قوله تعالى : (وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ) [النور : ٣٩] ، وقول الرّاجز :
قد يصبح الله إمام السّاري
والضّمير المنصوب في (جِئْتُمُونا) ضمير الجلالة وليس ضمير الملائكة بدليل قوله: (كَما خَلَقْناكُمْ).
و (فُرادى) حال من الضّمير المرفوع في (جِئْتُمُونا) أي منعزلين عن كلّ ما كنتم تعتزّون به في الحياة الأولى من مال وولد وأنصار ، والأظهر أنّ (فرادى) جمع فردان مثل سكارى لسكران. وليس فرادى المقصور مرادفا لفرادى المعدول لأنّ فراد المعدول يدلّ على معنى فردا فردا ، مثل ثلاث ورباع من أسماء العدد المعدولة. وأمّا فرادى المقصور فهو جمع فردان بمعنى المنفرد. ووجه جمعه هنا أنّ كلّ واحد منهم جاء منفردا عن ماله.
وقوله : (كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) تشبيه للمجيء أريد منه معنى الإحياء بعد الموت الّذي كانوا ينكرونه فقد رأوه رأي العين ، فالكاف لتشبيه الخلق الجديد بالخلق الأوّل فهو في موضع المفعول المطلق. و (ما) المجرورة بالكاف مصدريّة. فالتّقدير : كخلقنا إيّاكم ، أي جئتمونا معادين مخلوقين كما خلقناكم أوّل مرّة ، فهذا كقوله تعالى : (أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ