وأضيف الشّفعاء إلى ضمير المخاطبين لأنّه أريد شفعاء معهودون ، وهم الآلهة الّتي عبدوها وقالوا : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر : ٣] (وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) [يونس : ١٨]. وقد زيد تقرير هذا المعنى بوصفهم بقوله : (الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ).
والزّعم : القول الباطل سواء كان عن تعمّد للباطل كما في قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) [النساء : ٦٠] أم كان عن سوء اعتقاد كما هنا ، وقوله : (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) [الأنعام : ٢٢] ، وقد تقدّم ذلك في هاتين الآيتين في سورة النساء وفي هذه السورة.
وتقديم المجرور في قوله : (فِيكُمْ شُرَكاءُ) للاهتمام الّذي وجهه التعجيب من هذا المزعوم إذ جعلوا الأصنام شركاء لله في أنفسهم وقد علموا أنّ الخالق هو الله تعالى فهو المستحقّ للعبادة وحده فمن أين كانت شركة الأصنام لله في استحقاق العبادة ، يعني لو ادّعوا للأصنام شيئا مغيبا لا يعرف أصل تكوينه لكان العجب أقلّ ، لكن العجب كلّ العجب من ادّعائهم لهم الشركة في أنفسهم ، لأنّهم لمّا عبدوا الأصنام وكانت العبادة حقّا لأجل الخالقيّة ، كان قد لزمهم من العبادة أن يزعموا أنّ الأصنام شركاء لله في أنفس خلقه ، أي في خلقهم ، فلذلك علّقت النّفوس بالوصف الدالّ على الشركة.
وتقدّم معنى الشّفاعة عند قوله تعالى : (وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ) في سورة البقرة [٤٨].
وجملة : (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) استئناف بياني لجملة : (وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ) لأنّ المشركين حين يسمعون قوله : (ما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ) يعتادهم الطّمع في لقاء شفعائهم فيتشوّفون لأن يعلموا سبيلهم ، فقيل لهم : لقد تقطّع بينكم تأييسا لهم بعد الإطماع التهكمي ، والضّمير المضاف إليه عائد إلى المخاطبين وشفعائهم.
وقرأ نافع ، والكسائي ، وحفص عن عاصم ـ بفتح نون ـ (بَيْنَكُمْ). ف (بين) على هذه القراءة ظرف مكان دالّ على مكان الاجتماع والاتّصال فيما يضاف هو إليه. وقرأ البقيّة ـ بضمّ نون ـ (بَيْنَكُمْ) على إخراج (بين) عن الظّرفية فصار اسما متصرّفا وأسند إليه التقطّع على طريقة المجاز العقلي.
وحذف فاعل تقطّع على قراءة الفتح لأنّ المقصود حصول التقطّع ، ففاعله اسم مبهم